عوائق السلوك

Cover Image for عوائق السلوك
نشر بتاريخ

تواجه المرأة في طريقها إلى الله تعالى عقبات شاقة وصاعدة، من أشدّها العقبة النفسية وحبّ الدنيا بما تزخر به من مغريات، إلى جانب عدوّ متربص، وخصوم وأصدقاء، وحاجات اقتصادية وصحية، فضلًا عن عوائق ناتجة عن تخلّف المجتمع وما فيه من فقر وجهل وتهميش.

وتجد المرأة نفسها بين باعث يدفعها إلى فعل الخير والسير إلى الله، وباعث آخر يثبّط عزمها ويدفعها إلى الطريق السهلة المنحدرة؛ طريق الهوى والشيطان. وقد تجذّر هذا الباعث الخاذل في الفكر والعادات والفقه المنحبس، ورسّخ عبر عصور الانحطاط مشاعر الدونية والعجز في المرأة، فهزّ ثقتها بنفسها وبربّها، وقلّل إحساسها بالمسؤولية خارج نطاقها الضيّق، وحاصرها في أشغالها الخاصة وهمومها وآلامها وأميّتها.

عوائق على مستوى التصور

الفقه المنحبس

من العقبات التي تقف سدا منيعا في وجه المرأة المسلمة عقبة الفقه المنحبس، ونقصد به التشبث بأقوال الفقهاء والعلماء السابقين في قضايا طارئة ومستجدة في ظروف وزمن مختلف عن الزمن الذي صدرت فيه، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “هذا وجه سافر من وجوه الفقه المنحبس الذي لم يعتبر في أخذ الأحكام إلا ما اعتبره الفقهاء الأقدمون وما حكم به القضاة الأولون، في زمن غير هذا الزمان، ومكان غير هذا المكان، وأحوال غير ما يَتقَلّب به الليل والنهار من أسواءٍ وأدواءٍ اجتماعية اقتصادية” 1.

نحلة الغالب ودين الانقياد

مرضان في جسم الأمة ممتزجان في مرض واحد؛ مرض موروث عن انحطاط قرون، ومرض طارئ هو ما أصابنا من الاستعمار، هما دينان يصبان في عقيدة واحدة: دين الانقياد ونحلة الغالب؛ مرض ونحلة ساكنان في جسم الأمة وعقلها ونفسها، “تزول مع الأيام الآثار العمرانية الاقتصادية مما يجنيه الغالب في حق المغلوب. وتبقى الإصابات الذهنية النفسية الثقافية التي تخضع لها النفوس تتجرعها كرها، ثم تبررها مغالطة، ثم تتبناها تقليدا للنحلة الغالبة، ثم تصطفيها عقيدة ومذهبا ونمط حياة وأسلوب حضارة وغاية وجود” 2 أقول: واقتداء في الشعار والزي وسائر الأحوال والعوائد والثقافة، وتبرج النساء، وتفسخ الأخلاق..

ويقصد بدين الانقياد ما “تتوارثه الأجيال الرازحة تحت نِير الملك العاض والجبري من عادة الخضوع للحاكم، إلى أن يصبح ذلك الخضوع عقيدة راسخة متجذرة في النفوس، لا تنكر ولا تغير ولا تتحدث عن إنكار النفوس المتدينة لذلك الدين المتدنية المنحطة” 3 رواسب فينا متراكمة طبقا عن طبق.

 أضيف ذلك إلى ما عانته الأمة بعد انهيار  الخلافة الراشدة وحلول الملك العاض غير الشوري وما خلفه من تبعية وخضوع وطمس للهوية الإسلامية وحجب للنور النبوي الذي يبشر بالخلافة الثانية، ومن ثم فلن نستطيع أن نتبين طريقنا إلى مستقبل هذه الخلافة الموعودة إن نحن تمادينا في تجاهلنا لظلام الغزو الثقافي والانقياد الأعمى للحكم التسلطي.

“فمن الفقه العميق لما حل بنا من انحطاط أمس البعيد والقريب يبدأ التغيير” 4عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، م. س. ص 35. 5، ولا سبيل إلى تغيير ما بنا من أوبئة وأمراض وإعراض عن الله، وما بأمتنا من تخلف وجهل، إن لم نغير ما بأنفسنا، والخطوة الأولى إلى الشفاء معرفة الداء.

عوائق على مستوى الواقع و الممارسة

دور اللائيكية في الانحلال والبعد عن الدين: يحاول الغرب أن يصدر إلينا بضاعة التملص من الدين مغلفة بغلاف اسمه الديموقراطية وحقوق الإنسان، وبداخل الحزمة اللاييكية، وهي الانفصال عن الدين وعزله عن الساحة، والتهافت على الحرية بأشكالها وألوانها وبدون رادع. حيث يجد الانتهازيون والطفيليون فرصتهم للوصول إلى مآربهم وتدليس بضاعتهم على أنها الجنة في الدنيا، ضاربين عرض الحائط كل ما له علاقة بالدين والقرآن وشرع الله. وتحاول نسوة الغرب أن يصدرن إلى نسائنا بضاعة الانحلال والإباحية مغلفة في أستار المساواة والانعتاق من وصاية الذكور ومنع تعدد الزوجات و”إنصاف” المرأة في قسمة الميراث، ففي المجتمعات الحديثة الإباحية يعتبر كل انضباط بالقيود الجنسية والأسرة (القيمة الاجتماعية المركزية) انضباطا عفى عليه الزمن، بل يعتبر تدخلا لا يطاق في حرية الأشخاص، بل تزمتا قمعيا لا يناسب عصرا تخلص من إرث الأديان المتشدد.

ويكتب جيل ليبوفتسكـي، الفيلسوف وعالم الاجتماع، عن مجتمع ما بعد الحداثة -بل ما بعد الأخلاق- ما يلي: “المرحلة التـاريخية من تاريخ الأخـلاق -مرحلة أسميها “ما بعد الأخلاق”- تقطع وتصل في نفس الوقت صيرورة العلمنة المنطلقة من القرنين السابع عشر والثامن عشر. ونعني بمجتمع ما بعد الأخلاق المجتمع الذي يدغدغ أكثر من سابقيه الرغبات والأنا والسعادة والرفاهية الفردية أكثر مما يقوي فضيلة التضحية وإنكار الذات.

…توقفت مجتمعاتنا الاستهلاكية التواصلية عن التمجيد المنتظم للوصايا الصعبة. وأصبحت منذ الآن تشتغل خارج دائرة الواجب، خارج نطاق الفريضة الأخلاقية الصارمة والمنضبطة. ذلك هو عصر ما بعد الأخلاق، عصر الديمقراطيات الجديدة” 6عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، ط 2023/3، دار إقدام للطباعة والنشر، إستنبول ص168. 7.

 فهل مع شهادة الكاتب الذي أصبح يعارض مجتمعه ويصفه بأنه مجتمع ما بعد الأخلاق، حيث انهارت فيه جميع القيم الأخلاقية النبيلة، يمكن لهذا المجتمع أن يكون قدوة لمجتمع دولة القرآن؟         

 إنها الحرب الصليبية على الإسلام تتجدد، حرب متعددة الوجوه؛ اقتصادية تتمثل في شريعة السوق وسيطرة السوق ومركزية السوق وإشهار السوق الذي يسوق المرأة ويعطيها المكانة الأولى في عرض السلع، ويربط جسمها العاري ومفاتن جسدها بالمزايا المزعومة للبضاعة، حتى أصبحت سلعة بلا روح. غزو حضاري يتمثل في “بائسات التحول” كما يسميهن الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، الوافدات من البوادي، يعشن في هم اليوم والغد، يعانين من ظلام الجهل والأمية ومن فقدان التوازن النفسي ومن انعدام الأمن على المعاش، ومن قساوة الزمان ومرارة الفقر والحرمان.

يكتب رينان الفرنسي (سنة 1862): “إن الشرط الجوهري في الوقت الحاضر كي تنتشر الحضارة الأوروبية هو تحطيم الإسلام. هناك الحرب الأبدية، الحرب التي ستنتهي عندما يموت آخر أبناء إسماعيل من البؤس، أو يكون الإرهاب قد ألجأه إلى فيافي الصحراء، إن الإسلام هو النقيض الأتم لأوروبا، ستستولي أوروبا على العالم وستنشر دينها الذي هو القانون والحرية واحترام الإنسان…” 8عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، م. س. ص 77. 9.

يقول الأستاذ ياسين رحمه الله تعليقا على ما قاله الكاتب: “دين الأقوى يتلخص من وراء نفاق القانون والحرية وحقوق الإنسان في اقتصادية سوقية حولها يدور كل شيء. الهوية الحضارية للغرب المسلح المتخم تتبخَّر شيئا فشيئا، ويفقد شيئا فشيئا كل معنى لوجوده دُولا وأفرادا غير وظيفته الاستهلاكية الأنانية المستحوذة على خيرات العالم، المتربصة بكل من يصمد في وجه الغرب” 10نفسه، ص78. 11.

الفن الإعلامي الخلاعي

وفي الإعلام والفن الإعلاني الإعلامي الخليع الذي جثم على صدورنا عبر الهوائيات؛ سطوح خرقوها، وفي الأخلاق سدود حطموها، حتى خطفت الثقافة المرئية المسموعة المهرجة الخليعة المتلصصة من الأم والأب أبناءهما وبناتهما، بل خطفت منهما نفسيهما ووقتهما وتفكيرهما، حتى أصبح ما كان منكرا يخدش الحياء ويجرح المروءة أمرا عاديا بعدما وطأته العادة واستألفه التكرار، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: “الإعلام آلة جهنمية في قبضة يهود العالم، هم صانعو الأفلام الخليعة الرئيسيون وممولوها وموزعوها” 12عبد السلام ياسين، سنة الله، ط 2005/2، مطبعة الخليج العربي، تطوان، ص 110. 13. كل هذا يصب في التيار الجاهلي ويجرف إليه “الغفلة عن الله عز وجل، وعن المصير الأخروي، التيار الجاهلي تبذير ولهو ولعب وزينة وتكاثر يرقص على نغمة التجويع الاستهلاكي الذي ينخسك في غرائزك لتشتري ثم تشتري. ويضمك بين ذراعي الخلاعة والإشهار لتغرقي في لجة الحياة الدنيا” 14عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، م. س. ج 1، ص 120. 15.

عوائق ذات بعد تربوي تنظيمي

قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ(البلد: 4).

الدعوة إلى الله تعالى تخاطب الإنسان من حيث كونه إنساناً في كبد؛ تستحثه للنهوض من الجهل بالله والقعود عن الجهاد في سبيل الله، تشجعه على اقتحام العقبة التي يتجاوز باقتحامها عوائق الشح المجبولة عليه النفوس، فيصبح مؤهلاً للانضمام لجماعة المؤمنين المتواصين بالصبر والمرحمة، والمصطفين للميمنة والسعادة عند الله.

التربية الإسلامية تخاطب أعمق ما في الإنسان؛ وهو شعوره بالخواء والعبث ما دام بعيداً عن الله، ثم ترفعه في صحبة المؤمنين المتواصين الصابرين المتراحمين إلى طلب أسمى غاية وهي وجه الله والاستواء مع أصحاب الميمنة.

“ينبغي للتربية الإيمانية الإحسانية أن تربط جهاد النفس لترويضها على الحق بجهاد العلم والعمل (…) عقبات كثيرة أمام المؤمن وأمام جماعة الجهاد يمكن تلخيصها في ثلاث لكل منها بعد نفسي تربوي وبعد اجتماعي تنظيمي:

1- الذهنية الرعوية: وهي ذهنية النفوس القاعدة التي تنتظر أن يفعل بها ولا تفعل وان يدبر غيرها لها وهي لا تقدر أن تدبر، أولئك قوم يحق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق”.

2- الأنانية المستعلية أو المتمتعة: يعوق أصحابها من اقتحام العقبة امتلاك مما هم فيه وطلب المزيد مما هم فيه، قوم ظلموا أنفسهم وظلموا الناس!

3- العادة الجارفة للمجتمعات المسلمة في تيار التبعية للوضع السائد، المانعة لنا أن نعرف معروفاً بميزان الشرع، أو ننكر منكراً يذمه الشرع. فتنة ! ثلاث تغيرات ضروري أن يحدثها الدعاة بتربيتهم وتنظيمهم في الجو الفكري والنفسي والعملي في الأمة” 16عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ط 2022/5، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، إستنبول، ص 31. 17.

ما السبيل وكيف نغير ما بنا؟

جهاد على مستوى الفرد

إن أول الطريق تغيير ما بأنفسنا، الداء في النفوس المخربة وفي القلوب المعلولة، فـ”القلب إذا مكمن الداء فإن صح وسلم فهو مركز الإشعاع، وهو العنصر الحاسم في معادلة وجود الأمة وانبعاثها” 18عبد السلام ياسين، الإحسان، ط 2018/2، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، ج 1، ص 22. 19. فعندما انسحب الإيمان من القلوب وانقادت النفوس إلى نوازع الهوى والشيطان، وانبهرت بألوان الحضارة الزائفة السائرة نحو الانهيار، انسحب الإيمان والإسلام والدين من واقع المسلمين وحياتهم، وذلك ما تخطط له الصليبية وأعداء الدين على مر العصور، ولا يمكن أن يتجدد للمسلمين دين ولا إيمان، ولا أن تستجد لهم عزة بعد الذل ولا قوة بعد الضعف إن لم يبدأ البناء من القلوب.

ولذلك فإن أول خطوة في نهضة المؤمنة استكمال الإيمان.

لا يكتمل إيمان المؤمنة إلا إذا طهرت نفسها وأعمالها من النفاق، وأخلصت الوجهة لله تعالى وتأكدت أن ما تعطي وما تذر وما تحب وما تبغض نابع من القلب الصافي العامر بحب الله، فتصدق بواعثها الإيمانية أفعال جوارحها قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[سورة الأنعام، الآيتان: 164- 165].

لا يكتمل إيمان المؤمنة إلا إذا كان الله ورسوله أحب إليها مما سواهما “فتترك الحسابات الصغيرة والضغائن الحقيرة وتضع أعمالها في ميزان الشرع لكي تراجع حسابها ومراقي سلم دينها هذه الطامحة للكمال إن وجدت في نفسها ما يضر ولا يسر” 20تنوير المؤمنات، ج 2، ص: 6. 21.

في عصرنا الحاضر أصبح الحديث عن حب الله كلاماً سطحياً خاليا لا يلهب القلوب ولا يجعلها تأنس به، فمن شروط حب الله بيان أن لا مستحق للمحبة إلا الله وأن أعظم لذة هي النظر لوجهه الكريم، ومن حب الله وحب رسوله تأتي محبة المومنين والمومنات والمؤاخاة بينهم حتى يصبحوا مثل الجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

قال الإمام رحمه الله: “الجنة ممنوعة علينا ما لم نتحاب في الله وهو تحاب يلقيه الله على هذه الأمة المرحومة على المؤمنين المتقين، يتذوقونه وتحلو الحياة به وهي مرة” 22الإحسان، ج 1، ص: 189. 23. وفي إطار البحث عن لحمة الإحساس بالأخوة والتضامن والمحبة يتقدم عالم الاجتماع والإناسة والأحياء الفيلسوف، إ .موران باقتراح متواضع “تضامن أخوي بين بني البشر، مجتمع عالمي بدل مجتمع ما بعد الحداثة المنحل، ما دامت المجتمعات المنعوتة بالتقدم تسير دون حافز سوى تلبية الأنانية والتمتع الفرداني، مجتمعات مفككة فقدت رابطة المحبة وعانت في نفس الوقت من التشتت الفكري” 24الإسلام والحداثة ص222 25.

طلب العلم واستكماله

 طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ومن البذل إنفاق الوقت والجهد والمال في طلبه، العلم سلّم الهداية والسمو، ومرقى الرشاد والعلو ومنبع الحكمة، ومرجع الاستدلال، وإمام العمل، وطريق الصواب والفلاح في الدنيا والآخرة.

أولى الإمام المجدد عبد السلام ياسين – رحمه الله – للعلم وطلبه والتفاني في تحصيله العناية الخاصة إدراكا منه – رحمه الله – لأهميته وخطورته وضرورته في عالم لا يهتم بشيء اهتمامه بالعلم وأهله. إذ جعل له الخصلة الخامسة من الخصال العشر وهي الخصلة التي ترشد الناس إلى العنصر المؤثر في بناء العامل الذاتي فكرا وفهما وحسن تعامل مع القضايا والمواضيع والاهتمامات.

يميز الإمام المجدد رحمه الله تعالى بين مستويين من العلم؛ علم بالله، وبغيب الله، وبرسل الله، وبكتب الله، وملائكة الله، وقدر الله، ومصير الإنسان في الدار الآخرة إلى الله وهو العلم الضامن والحامي من كل ما يزيغ بالإنسان عن الطريق إلى الله. وعلم آخر عن كون الله، وخلق الله، وما أودعه الله في أرضه وسمائه من أسرار، وما رتب سبحانه من أسباب، وما سخر سبحانه للإنسان تسخيرا طبيعيا، وما جعل لتسخيره أسبابا على الإنسان أن يُرادف التجارب، ويجمع المعارف، ويَخترع المناهج، ويصطنع الآلات لتوفيرها” 26تنوير المؤمنات الجزء2 الصفحة 66. 27.

ويطلب – رحمه الله – من كل واحدة منا أن تأخذ نفسها بامتلاك العلوم المشرّفة المحتكرة عند الآخر وأن تبذل الجهد والوسع في تحصيلها، لكي تنال الشرف والحظوة بين بنات جنسها وتتمكن من مزاحمة غيرها فيها، استشرافا لغد باسم مليء بالإنجازات تتناسب مع حجم التحديات التي تنتظر الأمة الإسلامية في سيرها نحو الدولة القرآنية العادلة المحسنة.

جهاد على مستوى الأمة:

لا بد من امتلاك القوة: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل.

إنها حرب واحدة ومعارك ومواقع وثغور: في الثقافة ثغر، وفي الاقتصاد وفي السياسة، وفي التعليم وفي الإعلام، الحرب واحدة بين الكفر والإيمان، والمرأة المسلمة مستهدفة والرجل،”المومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض”، لا بد من امتلاك القوة، أية فضيلة لا تدعمها القوة يمكن أن توقف المسير، لا بد من قوة صناعية وتنمية متكاملة، إذ لا قوة بلا صناعة قوية، ولا رخاء يرجى لأمة تأكل ما لا تحرث، وتشتري ولا تبيع، و تبقى بلهاء عزلاء وعدوها الحاقد يطور من أنواع الأسلحة ما يحتكره لنفسه، لا بد من امتلاك قوة العلم والتعلم، ينبغي التركيز على المعرفة التكنولوجية والأدبية والفنية والإعلامية وأسلمتها ورصدها لتحمل الخير للناس كافة.

لا بد من توفير البيئة الصحية

“إن شغل التفكر بمعناه القرآني طوائف من المسلمين في عصور مضت عن التصدي للكوائن التي سخرها الله لنا حتى أصبحنا عاجزين مشلولين في الدنيا، فإن انشغالنا بالفكر عن التفكر في زماننا هذا يهدد بالانجراف مع الكوائن ناسين الله، فينسينا أنفسنا، فتشل حاسة الإيمان فينا وهي القلب فنخسر الآخرة “ 28 الإحسان 1 ص 308. 29.

يشير الإمام رحمه الله إلى ضرورة التوازن بين ما يتطلبه القلب والروح من سلوك و معرفة بالله ومع الله وإلى الله، وما يتطلبه العقل من علم وحكمة وعلوم كونية وما يتطلبه الجسد من قوت يتقوى به الإنسان على الجهاد والنصرة لدين الله، فلا بد إذن من بيئة صحية تراعي مطلبي العدل والإحسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم أمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”. فلا يمكن السلوك إلى الله بالانزواء عن العالم وبدون الجهاد في سبيل الله، ولا يمكن السلوك بدون تدافع لامتلاك قوة الآلة والعلم النافع ولا يمكن السلوك دون توفير الغذاء يقول الأستاذ ياسين رحمه الله: “إن التفقير المادي والخلقي الذي تعاني منه مجتمعاتنا يستدعي عدالة اجتماعية مثلما يتطلب إحياء تربويا، لأن الانحطاط المادي مصدر البؤس الخلقي” 30الإسلام والحداثة ص 194. 31.

إضافة إلى كل ما سبق، يوجهنا القران الكريم إلى الآية 30 من سورة الروم حيث يقول تعالى: “فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها” فالدعوة واضحة هنا إلى الاستقامة الطوعية الخلقية والروحية. لكن التأثيرات الكثيرة والعوائق المانعة من السلوك إلى الله عز وجل ومنها الأسرية والاجتماعية والثقافية قد تجتهد كلها بالانحراف بالفطرة السوية، ومن ثم يصبح دور التربية وسط جماعة المؤمنات الصالحات، تقويم الاعوجاج الذي أنتجه المحيط الاجتماعي.

تغييب هذا الفقه فجوة في الدين

إن السكوت عن الإحسان وعن الدرجات والمقامات عند الله عز وجل وعن الكرامات اقتضابا أو جهلا أو محاباة لفكر حرفي يكره أولياء الله ويرفضهم، تفريط في الدين وتضييع للدين وفجوة في الدين، يتسع الانخراق والفجوة إن نسينا ذكر الله، وتنكرنا لحلق الذكر، وتغافلنا عن أعظم إشارة وصلتنا من رب العالمين من أنه ما يزال العبد يتقرب إليه حتى يحبه فيكون سمعه وبصره ويده ورجله فإلى أين نجري؟ يقول رحمه الله: “ديننا ناقص إن تمسكنا بإيمان الأخلاق والعبادة والاستقامة والطاعة والجهاد دون تطلع إحساني “ 32 الإحسان 2 ص96. 33.


[1] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، 2/83. 34.

كان ذلك نتيجة انحطاط الحكم وانتقاض عروته بعد الانكسار التاريخي الذي ابتليت به الأمة الإسلامية، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ» 35مسند الإمام أحمد 36/485، الجامع الصحيح والسنن والمسانيد: 2/269. 36، وبانتقاضه تسرب الوهن إلى جسد الأمة، وانحبس الفقه وسدَّ باب الاجتهاد وغيب الحكم بما أنزل الله وغيبت الشورى، ودارت الفتوى في حلقة ضيقة رابط في أركانها جهابذة العلماء للحفاظ على سائر عرى الإسلام أن تنتقض، ولصيانة الحياة في دائرة الشرع، فاقتصر الفقه على سد الذرائع وصدرت الفتوى بمنع المرأة من الخروج وحرمانها من التعليم والتعلم، تقول الدكتورة رقية العلواني متحدثة عن فقه العصور المتأخرة: “وأضحى سد الذريعة سلاحا مشروعا في وجه أي دعوة لاستعادة (المرأة) مكانتها التي بوأها إياها الإسلام، من دعوة إلى تعليمها أو مشاركتها في الحياة العامة. فالتعليم يقتضي خروج المرأة من بيتها وخروجها فتنة، فتمنع من التعليم سدا لذرائع الفساد” 37رقية طه جابر العلواني، أثر العرف في فهم النصوص، قضايا المرأة نموذجا، ط 1 – 2003م، ص 143. 38.

فقه جامد لا يدع مجالا للاجتهاد والنظر الشمولي في أحكام الشارع الحكيم، فنالت المرأة حظها منه وزيادة، حتى رسخ فيها عبر العصور الانحطاطية الشعور بالدونية والعجز وكسر ثقتها بنفسها وبربها.

ما فعله فينا الاستعمار

تفوقوا علينا في ميادين الاقتصاد والعلوم والصناعة والتنظيم والقوة العسكرية، حتى دخل الاستعمار إلى عقر دارنا وفعل فينا الأفاعيل، فقد كان يعرف الأهمية القصوى للمرأة فعمل على تدمير عقيدتها، ووصل صوت “تحرير المرأة” وأصوات الحريات الإباحية إلى ديارها، فانضافت إلى نكبة من زُجَّ بهن في القصور مع مئات الجواري والأربع حرائر اللاتي يستبدل بقديمهن الجديد.

“ما فعله فينا الاستعمار من تخريب وقتل الأنفس ونهب الثروات أمر هيّنٌ وإصابة في الحواشي. لكن النكاية العظمى والمكر الماكر والداهية القاصمة هي إصابة الأجيال التي فتحت أعينها على النموذج المتفوق، ودرّبتها المدارس وعلّمتها الكتب وتمثلت أمامها الحضارة الغازية في النساء الكاسيات العاريات والمراقص والسينمات وتمثلها كثقافة واردة، وابتلعتها وشوّهت فيها الفطرة ومحت العقيدة ودمرت الشخصية، هذا الوباء الطويل العمر القوي الأثر” 39عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، 1/37.


[2] المصدر نفسه، 23/1.
[3] المصدر نفسه.