عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
مطلع قصيدة شعرية نظمها المتنبي ليلة عيد اضحى في سياق خاص. وظل البيت الشعري يتردد على الألسن كلما حل العيد في أجواء أو سياقات معينة. ولعله من نافلة القول أن يكون لكل واحد ظرفه الخاص وهو يستحضر هذا البيت الشعري، غير أنني أجد فيه تعبيرا عن واقع وطني الكسيح، الغارق في الوحل، كلما حلت ذكرى أو عيد، فحيثما وليت وجهك لا ترى إلا تحيينا وتجديدا لما مضى من ألوان المعاناة والقهر والتردي، هذا إن لم يكن الحال أمر وأشد وطأة مما مضى، وكأنه كتب على هذا “البلد السعيد” أن يعيش الشقاء الأبدي، وألا تغرس فوق خريطته إلا الأشواك التي تدمي الجلود والأقدام..
لن أتحدث عن الغلاء الفاحش والإثراء غير المشروع على حساب جراح وآهات شعب بأكمله في زمن الفاقة والحاجة، فآثاره بادية في القفف المنكمشة والعيون المنكسرة التي منعتها أصالتها وحياؤها أن تصرخ في وجه الوضع المفروض عليها والجشع المتربص بها، ففوضت أمرها لله مستغرقة في الحوقلة والحسبلة..
ولن أتحدث عن شباب فقد الأمل والأمان باع نفسه للأماني والأحلام، وراح يمتطي الموج عساه يرسو فوق أرض يستعيد فيها ما ضاع من عمره. تراه يرتمي بكامل وجوده في مهب التيار وسرعان ما تنبئك عن مغامرته نوائح الأخبار ..
دعني أكلمك عن شيء هلامي اسمه دولة يحكمها شبح لا ككل الأشباح، شبح اسمه المخزن استنبتته ظروف وسياقات، ثم مالبث أن أصبح قدرا أبديا لصيقا بهذا البلد المكلوم ..
في دولة المخزن يبدو لك أن لا شيء ثابت، كأنك أمام رقصة أشباح، ألوان تتبدل، ومواقع تتشكل، في نسق كارطوني متواصل، يوهم نفسه أنه يسير دولة ويدبر أمر شعب، وما هي إلا ملاحم دونكيشوطية، خواء في خواء، وصدق من قال: “جعجعة ولا أرى طحنا”.
في مجال التعليم الذي هو أساس قيام المجتمعات وتقدمها تحدثوامنذ زمان – وقد فضحتهم المراتب المتدنية على الدوام – عن ميثاق وطني لإصلاح التعليم ضمنوه كتابا أبيض انتهى بفشل أسود قبل انتهاء العشرية، ليبدأ بعده مخطط استعجالي طبخ على نار مستعجلة أحرقت ما بقي، لتطلع علينا سحابة عجفاء اسمها الرؤية الاستراتيجية لا ارض سقت ولا هي من حر وقت، بل زادت المشهد اختناقا وتأزما..
وقس على ذلك مجال الصحة، والشغل، والتنمية المستدامة، والجهوية الموسعة، والحكامة، وهلم جرا من الهلاميات في دولة المخزن، دولة الأشباح.
ولعل مما يبين قيمة الدول ودرجة نضجها ضمان الحقوق والحريات لأبناء شعوبها، واحترام القوانين الموضوعة .. وفي دولة المخزن الدستور – كأسمى قانون – ممنوح، ولك ان تتخيل منحة الأشباح !! والقوانين المتفرعة عنه – رغم علاتها – منتهكة بجبروت التعليمات والمحسوبيات والحصانات وما إلى ذلك من الموبقات،. فلا غرابة ان يفصل كل من يدور في فلك الأشباح الأمور على مقاسه ومقاس ذويه، ولا عجب أن يحول الرقعة التي تولى أمرها إلى ضيعته الخاصة، وليشرب الشعب ماء البحر.
والحال هكذا أصبح بديهيا ان تسرق الصناديق، رتبذر الثروات، ويكافأ أصحابها بالعلاوات والترقيات في إطار تغيير المواقع التابعة لمنظومة الأشباح. هكذا دون حسيب ولا رقيب وقد تم تأميم ومغربة قانون نعم للإفلات من العقاب.
في دولة المخزن، عفوا منظومة الأشباح، لا مجال للحديث عن “من أين لك هذا” ؟! فارتفاع منسوب الإثراء، مصحوبا بالوفاء، وإبداء الرغبة للانخراط في الاستغباء، والاستعداد للتحول والانكفاء.. كلها عربون على تبادل الولاء ..
يتحدث من يدور في فلك الأشباح عن قيم المواطنة وعن تخليق الحياة وهم من اصبحوا اداة الهدم والتمييع، فكثر التحول والمتحولون المشدودون للأشباح، فمن متحول سياسي، إلى متحول اجتماعي اقتصادي، إلى متحول فكري لاهث عساه يلحق فتاتا على مائدة الشيطان.. كثر التحول والمتحولون حتى خشي المتحولون جنسيا – وهم المدعمون – على شعارهم أن يضيع في زحمة المتحولين داخل دولة الأشباح..
وحدهم أحرار الوطن يقاومون دولة الأشباح، بعضهم في السجون، شباب مناضل مؤمن بالعدل والحرية والكرامة لا يملك إلا صوته، وأقلام ظلت تذوب بين انامل أصحابها لفضح الأشباح، وقامات حقوقية وقانونية لا ترضى عن الحق بديلا، ومعارضون امتطوا مواقف العز والشهامة والمروءة سبيلا.. كوكبة من الفضلاء داخل السجون، ومعهم تيارات عديدة داخل المجتمع رافضة لكنها مقموعة محاصرة..
مشهد محزن أن ترى منظومة الأشباح في دولة المخزن تسعى جاهدة في تخريب البلاد وإذلال العباد، ويزداد المشهد بؤسا عندما ترهن هذه الطغمة الحاكمة -في عناد بغل وحمق جنوني -.مصير الجميع بشر الخلق: بني صهيون! فلله المشتكى وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأملنا أن يعود العيد القابل على الأمة بالصلاح، والسراح من قبضة الأشباح ..