قراءة في كتاب “صناعة الحرية: في التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين” 

Cover Image for قراءة في كتاب “صناعة الحرية: في التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين” 
نشر بتاريخ

مداخلة في ندوة تقديم كتاب “صناعة الحرية في التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين” لمؤلفه الدكتور أحمد الفراك، نظمتها جماعة العدل والإحسان في إطار أنشطتها المخلدة لذكرى تأسيسها الأربعين، يوم السبت 7 يناير 2023. 

عناصر الموضوع

1- على سبيل التقديم

2- هندسة الكتاب والتحدي المنهجي

3- صناعة الحرية في سيرة الإمام: المفهوم والدلالة

4- نوافذ وخلاصات


1- على سبيل التقديم

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.

سعيد بوجودي بين هذه الوجوه الطيبة والقامات الفكرية والأسماء السياسية والحقوقية والإعلامية المتميزة، وشكرا مجددا لجماعة العدل والإحسان على الدعوة الكريمة، والشكر موصول للدكتور أحمد الفراك الذي كان سببا في هذه المأدبة العلمية.

لا بد أن نلفت النظر ابتداءً إلى أن عنوان الكتاب الذي نحن بصدد تقديمه في هذا اليوم، أي “صناعة الحرية: في التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين”، هو عنوان المرحلة بامتياز، عنوان النضال المستميت من أجل صناعة الحرية في هذا البلد الأمين، ما دام السجن أيضا والقمع هو الجواب الوحيد الذي يقدمه النظام إزاء توق الشعب إلى الحرية.

فلماذا اختيار “صناعة الحرية” عنوانا؟ وما هي عناصر الجِدّة في الكتاب، خاصة وأن الموضوع معلوم مشهور؟ وما الذي أراد الكِتاب قوله تحديدا؟ وما هي أهم مضامينه وبأية منهجية تمت مقاربتها؟ وإلى أي حد نجح المُؤَلِّفُ في سبرِ أغوارِ الموضوع والوفاءِ بما أطلقه من وعودٍ أو سطّرهُ من أهداف؟

لكن، أي العناصر أحق بتعميق النظر فيها ضمن المثلث المعرفي للكتاب؟

هل يجب أن نركز على الكتاب تأليفا وهندسة ومنهجية ولغة بالمنظور الأكاديمي الدقيق والبارد؟ أم علينا أن نموضع الكتاب ضمن المنجز التأليفي العلمي للكاتب وعلاقته بتكوينه الأكاديمي وتجربته في الكتابة والتأليف، وآفاقه الشاسعة في النظر والتفكير والتنظير والدراسة والبحث؟ أم يُستحسن الذهاب مباشرة إلى محتوى الكتاب وموضوعِه وما أثاره من قضايا ووقف عليه من إشكاليات، وما فتحه من أبوابٍ ونوافذ، لنرى حجم الإضافة ونسائلَ طبيعةَ المقاربة ونغوصَ أيضا في ما يسميه البلاغيون العرب بـ”معنى المعنى”، أي ما الغاية من تنظيم حفل توقيع الكتاب أساسا؟ وفي أي سياق يأتي هذا التقديم؟ وما هي الأبعاد الممكنة لهذا الاحتفاء وتلكم المدارسة وذلكم النقاش؟

يقع كتاب “صناعة الحرية” في 341 صفحة من القطع المتوسطة، وهو صادر عن الناشر الأطلسي ضمن منشورات مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين، وقد قدم للكِتاب الحقوقيُّ والأديبُ والمعتقلُ السياسيُّ السابقُ بتزمامارت، صاحب “الزنزانة رقم 10” الأستاذ أحمد المرزوقي، بسرده بعض محطات تعرُّفه على الإمام رحمه الله والاطلاع على بعض كتبه وزيارة ابنته الأستاذة ندية ياسين، ولم يتوانَ أحد عن تقديم شهادة حق في رجل، يُعد “مجردُ ذِكر اسمه وحده، وهو اليوم بين يدي ربه، ما زال يثير في نفوس من ناصبوه العداء ومكروا له بالليل والنهار تصلُّبا وقشعريرة، أما من عرفوه أو سمعوا عنه، فذكراه مدفونة في شغاف قلوبهم، مغلَّفَة بالحب والتقدير والحنين” [1].

لا بد كذلك، ونحن بصدد الحديث عن كتاب حول السجن، من الإشارة إلى أن جل ما كتب عن السجن والاعتقال في المغرب، هي كتابات سردية، سيرية في الغالب، وروائية أيضا، هكذا نجد العديد من النصوص الأدبية التي ألفها معتقلون سابقون حول تجاربهم في الاعتقال، وهنا نستحضر “العريس” لصلاح الوديع، “كان وأخواتها” و”الساحة الشرفية” لعبد القادر الشاوي، و”رمل في الذاكرة” لأحمد الجزولي، و”مجنون الأمل” لعبد اللطيف اللعبي، كما نجد أيضا بعض الكتاب الذين لجأوا إلى التخييل لكتابة روايات عن هذه التجارب السجنية الأليمة، مثل ما فعله يوسف فاضل في عدد من رواياته..

2-   هندسة الكتاب والتحدي المنهجي

–  هندسة الكتاب

اعتمد المؤلف في مقاربته للتجربة السجنية مدخلا زمنيا ذا بعد كرونولوجي واضح، حيث رصد سياق الاعتقالات وقدّم قراءات تشخيصية للأوضاع العامة قبيل كل اعتقال، بالإضافة إلى السياق الخاص بكل اعتقال، وهو ما جعله يقسم الكتاب تبعا لفترات الاعتقال، الفترة الأولى تتعلق بالسجن على خلفية رسالة “الإسلام أو الطوفان”، والثانية؛ تتعلق بالسجن عقب رسالة “قول وفعل: رسالة القرن الملكية في ميزان الإسلام”، والثالثة تتعلق بما اشتهر باسم الحصار أو الإقامة الجبرية، وهي نوع سجني أيضا، له خصوصياته، خاصة وأنه تم خارج أي قرار قضائي، بينما اختار موضوع التأليف داخل السجن لتكون فصلا أيضا، تلاه فصل بمجمل الملاحق والوثائق التي تعزز وتوثق الأحداث والوقائع التي أثارها في الكتاب. هكذا جاء الكتاب في خمسة فصول:

الفصل الأول: يرصد المرحلة الممتدة من 1974 إلى 1978.

الفصل الثاني: يرصد الفترة الممتدة من 1983 إلى 1985.

الفصل الثالث: يرصد المرحلة الممتدة من 1989 إلى 2000.

الفصل الرابع: قضية التأليف عند الإمام.

الفصل الخامس: الملاحق والوثائق

–  التحدي المنهجي

عانى الكاتب من مأزق منهجي واضح وهو بصدد تأليف الكتاب، وعبر عن الصعوبات المنهجية التي كانت تعترض رغبته في تجميع عدد كبير من الأهداف والغايات في مؤلف واحد، تفترض كل واحدة منها، مقاربة خاصة، ومسلكا منسجما، ورغم ذلك فقد قرر ركوب التحدي وعمل على “إدماج كل تلك القضايا في مخطوط قد يفيد المؤرخ الذي تهمه أحداث المرحلة ودروسها، والباحث في سير العلماء والأعلام ومكانتهم في التاريخ، والسياسي الذي ينتصر لمبادئ الحق والعدالة، والحقوقي الذي يرابط في ثغر الدفاع عن كرامة الإنسان، والمناضل الذي يطلب قدوة لنضاله وتجلده، والمؤمن التقي الذي لا يبيع الدين بالتين، والمثقف النزيه الذي حيرته مطامع الناس وألجمته مقامع السلطان، والقارئ الهاوي أيضا الذي تهمه النوادر بلا زيادات” [2].

إن تحقق بغية كل هؤلاء، وإيجاد ما تلتمُّ عليه كل هذه التخصصات والمشارب من المتلقين والمهتمين، ليس بالأمر الهين، ولكن الكاتب مع ذلك ركب المغامرة، وقرر خوض التحدي، فأنجز سردا تاريخيا كرونولوجيا ذا بعد تأريخي، مستفيدا في نفس الآن من المهارات الحجاجية بشكل مكنه من إخراج مُؤلَّفٍ يُعَدُّ مرافعةً حقوقيةً تبرز حجم المظلومية التي تم تسليطها على مفكر وداعية وسياسي ومصلح مغربي في الزمن المعاصر. هذا، إلى جانب عرضه لأفكار الرجل ومواقفه مما حدث في عهده، وإضاءة بعض التفاعلات معها من لدن من عرفه أو عاصره، من المفكرين والسياسيين والدعاة والعلماء، وأهل الرأي والإعلاميين [3].

غير أن تحديا آخر واجه الكاتب إضافة إلى تحديد هوية كتابه وتبيان نوعه، وهو التحدي الأبرز أمام المشتغلين في العلوم الإنسانية بصفة عامة، ألا وهو تحدي الموضوعية، ولذلك فقد صرَّح بوضوح بأنه “وبعد تردد، اخترت المغامرة في رحلة شبيهة بسيرة غيرية تتحرى الانتصار للموضوعية والابتعاد عن الذاتية”، يقول المُؤلِّف [4].

لقد اعتمد المؤلف في كتابه منهجا تركيبيا، استند على استقصاء الوقائع وتجميع الوثائق، واعتمد على المقارنة بين الشواهد والأفكار، وإثارة بعض الأسئلة وفتح بعض الأقواس.. وسأُجمِل ملاحظاتي على منهج الكتابة وخصائصها في المؤلف كما يأتي:

1- قدّم الكاتب قراءة في سياق الأحداث الممهدة للموضوع المُبأَّرِ حوله بلغة السرديات، مع ربط الحدث الرئيسي بالأحداث القريبة والموازية، ثم رَصَدَ النتائج وتتبع الآثار المترتّبة عن الموضوع المرصود، وسعى إلى توظيف تقنية التقرير السردي، مع إيراد المعطيات والتدليل على الأفكار والأحكام بواسطة خريطة واسعة ومتنوعة للغاية من الإحالات المرجعية.

2- تميز الكتاب بحضور النفس التوثيقي، فيما يشبه هاجس التأريخ، لكنه تأريخ ينفتح على فتح الأحداث على قراءات متعددة أحيانا، وجهد واضح للربط واستجماع الصورة الكاملة عبر آليتي التركيب والتفكيك، بحيث ظهر المؤلف أحيانا وكأنه بصدد التعاطي مع موضوع من مواضيع صحافة التحقيق.

3- كتب الكتاب بنفس بيداغوجي واضح، ينظم عناصر الموضوع في صيغة سردية موثقة، تتجاوز هاجس التأريخ المحايد، إلى محاولة القبض على الأحداث قبل أن تُنسى، ومحاولة فهم هذه الأحداث وقراءة سياقاتها، وربط ما تطرحه من أفكار بما راج ويروج من طروحات في الموضوع، وقد بذل الكاتب كما يبدو جهدا تفسيريا واضحا، لجأ فيه أحيانا إلى اعتماد التأويل، ومارس أحيانا نوعا من الانتقائية.

ولعل الرؤية التي انطلق منها الكاتب في مقاربته للموضوع، رغم أنها تسلّحت بنوع من الموضوعية التي تتجلى في التدليل الكافي، والتوثيق الوافي، والمناقشة المعتدلة لبعض الأفكار، إلا أن هذه الرؤية لم تغادر مساحة الإعجاب والتعظيم التي انطلق منها، وهو ما ينكشف منذ الجملة الأولى من الكتاب، يقول المؤَلِّف: “للعلماء في التاريخ قصصٌ طويلة مع اضطهادهم من طرف السلاطين، وخاصة منهم العلماء الربانيين الذين رَسَخُواْ في ميراثِ النُّبُوَّةِ وحازوا مَلَكَةَ الْعِلْمِ النافع، جنبا إلى جنب مع روحانية الجهر بالحق والعمل به” [5].

وهو الأمر الذي جعل شخصية الدكتور الفراك الإسلامية تحضر بشكل جلي دون مواربة، وتكاد تغطي أحيانا على شخصية الباحث الأكاديمي، ولعل الخروج من الحياد البارد، إلى التفاعل الحي مع الموضوع، دون افتقاد الشرط الموضوعي اللازم، شكل تحديا ورهانا خاضه الكاتب في موضوع شائك لا زال يلقي بظلاله على الحاضر، خاصة إذا علمنا أن مجرد إثارة موضوع الاعتقال السياسي فيه ما فيه، فكيف إذا تعلق الأمر بشخصية كبيرة لا زال الحصار مضروبا على تناولها بالبحث والدراسة.

فالكتاب، يبدو لقارئه، مضغوطا بكثرة المعلومات والإحالات، والقضايا والتشعبات، وهو ما فتحه، على سبيل الوعد، على كتب أخرى قادمة على تماس معين بالموضوع، أو تشعبا منه، يسَّر الله تأليفها وخروجها للناس.

3- صناعة الحرية في سيرة الإمام ياسين: المفهوم والدلالة

أين تتجلى صناعة الحرية انطلاقا من التجربة السجنية للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله؟

إن مفهوم صناعة الحرية في الكتاب يتجاوز مجرد نضال مرير خاضه الإمام رحمه الله ضد الديكتاتورية المتستّرة بالدين، وضد الحكم الفردي الوراثي، بغية تحقيق حريته الشخصية في التعبير والرأي والحركة والتواصل مع الناس، ويتجاوز أيضا نضالا فئويا مرهونا بتحقيق مطالب اقتصادية أو سياسية ظرفية لطائفة من الناس، يمكن توقيف المسيرة النضالية جراء تحقق بعضها مثلا، أو مجرد تلقي وعود بذلك، كما حصل للكثيرين.

فقد جعل من سجنه سبيلا للحرية، وطلب بسجنه حرية الدعوة والأمة: “لقد كان سجنه رحمه الله صناعة حقيقية للحرية، ولم يكن السعي إلى تلك الحرية، طلبا للتحرر الفردي والخلاص الشخصي فقط، بل سلك بسجنه منهاجا يُعلم الأمة أن السجن ليس إلا تمحيصا لصدق الصادقين، ولحاملي لواء الحرية للناس أجمعين” [6].

إن صناعة الحرية، تتجاوز صناعة حرية الفرد المناضل، لأن الفرد الذي يقرر خوض النضال واسترخاص كل شيء في هذا الدرب، قد تحرر فعلا، لأن الحرية هي حرية الإرادة، واستقلال إرادة القرار.

إن صناعة الحرية في سيرة الإمام رحمه الله، تبدو مسيرة كبرى، تنطلق من تحرير الذات مما يعيقها عن تحقيق أهدافها ومراميها، ويأسر إرادتها أن تقتحم العقبات، مرورا بجعل إرادة الحرية وعيا جماعيا، يعبر عن رغبة تحررية مما يزري بالحال، ويكبل عن الانطلاق، ويعيق الحركة، ويمنع التغيير نحو الأفضل والأسمى، كما أن المفهوم يمتد ليشمل الحرية بمعناها الشامل، تحرير العقل مما يكبله ويعيق اجتهاده وإبداعه، تحرير القلب مما يكدّره ويشوش رؤيته، ويعيق تواصله، ويزرع عوامل النزاع والفشل والأحقاد والأمراض في طريق بنائه الجماعي المحكم، ثم تحرير الإرادة من الخوف والجبن والبخل والأنانية الضيقة والعجز والهوان الذي يكتفي بالتبرير والتحوير والتزوير، عوض المواجهة والاقتحام وأداء الثمن، هذا على مستوى الإرادة في بعدها الذاتي الداخلي، وهو ما ينبني عليه تحريرها على المستوى الخارجي من عوامل الكبح والقمع والحصار والاستبداد والإكراه والجبر.

صناعة الحرية تأخذ إذا أبعادًا متعددة:

عبر العلم والمعرفة: عبر المعرفة وطلب العلم والقراءة ومحاورة الآخرين. وآلية ذلك العقل المتوثب، الخاضع للوحي، الصادر عنه، المتتلمذ النجيب له.

عبر التزكية والتربية الإيمانية بشكل عام: التحرر من أثقال النفس والهوى وعوامل الجذب المادي، مما يعيق الإنسان من التطلع نحو آفاق روحية سامية، وهو تحرر من “كثافة الجسد” وعوامل الاثِّقَال والإخلاد إلى الأرض، وآلته القلب ومعارفه، وأشكال ترسيخ الإيمان واليقين والإحسان والذوق والمحبة ونكران الذات..

إن صناعة الحرية تصبح، استنادا إلى المعاني السالفة، تأسيسا لانطلاقة جماعية شاملة، نحو التحرر الذاتي الداخلي؛ فكريا وثقافيا، روحيا وقلبيا، وتحرر تنظيمي تدبيري للسلطة والتداول عليها وفرض أرضية الاعتراف الداخلي المتبادل وترسيخ التنافس الداخلي الشريف، في إطار الذات الواحدة، وطنا كان أم تكتلا سياسيا أكبر.

كما أن مفهوم صناعة الحرية يمتد ليشمل إنجاز قومة التحرر الخارجي كذلك، على مستوى تعبئة طاقات الأمة لاكتساب استقلالها السياسي والاقتصادي، والارتكاز إلى هويتها والتصرف طبقا لإرادتها الحرة في بناء العلاقات المتكافئة مع باقي الأمم، بل اكتساب الثقة والتأهيل اللازم والنضج والنموذجية التي تمكن هذه الأمة من إعلان قيمها والدعوة إليها وتبليغ رسالتها إلى العالم.

4- نوافذ وخلاصات

–  نوافذ

من حسنات الكتاب أنه وفّر عشرات الوثائق المهمة للباحثين والإعلاميين وسائر المهتمين، عن سيرة الإمام ومراحل سجنه وحصاره، ومن ثمة عن جماعة العدل والإحسان.

فتح عددا من النوافذ على مجموعة من الموضوعات التي تستحق البحث، في إطار أكاديمي، أو في إطار سياسي وصحافي (صحافة التحقيق)، منها مثلا:

1- الكشف عن فحوى رسالة بالفرنسية غير منشورة.

2- تحقيق عن محاولات الحوار بين المخزن والجماعة وأهم رهاناته وأهدافه وسياقاته، وأسباب فشله.

3- دراسات عن التقاطعات بين الفكر المنهاجي الذي أثّله الإمام عبد السلام ياسين وسائر أفكار الرموز الفكرية والوطنية المغربية: محمد عابد الجابري، عبد الوهاب المسيري، طه عبد الرحمن، عبد الله العروي، وغيرهم.

4- دور اجتهادات الإمام عبد السلام ياسين وحركيته في ترشيد الحركة الإسلامية وتعميق مشروعها نظريا وتجذيره عمليا.

5- إسهامات الفكر المنهاجي في محاورة الفكر الغربي، إفادة من بعض مقولاته، أو كشفا لزيف طروحاته.

6- لماذا تُخْلِفُ النُّخبة السياسية المغربية الموعد مع التاريخ، وتفوّت فرص الإقلاع الديموقراطي والنهوض السياسي؟

– خلاصات

إن هذا الكتاب بقدر ما سلط الضوء على ما بذله الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، والإسلاميون ضمنا، من معاناة، وما كابدوه من محن، وما أدَّوه من أثمان في سبيل صناعة حريتهم وحرية أوطانهم، أوضح أيضا أن العمل الجاد، والمبادئ الكبرى، تتطلب استعدادا كبيرا للبذل ومسارا طويلا من الجهد التضحية وتحمل الأذى وتحدي الصعوبات ومكابدة العقبات، بقدر ما تظهر تلك الابتلاءات والمحن والأثمان مدى رسوخ المبادئ وصلابة القيم، وثبات الخطى وقوة المواقف. كما أن الكتاب يعد شهادة جديدة، على حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في هذا البلد، ويدلّل على استمراريتها وتنوّعها وتلوُّنِها، بحيث تتجدّد بأشكال مبتكرة، دون أن تعانق وسائل أخرى، أكثر عتاقة وأشد ابتذالا وخزيا.

وخلاصة القول يعد الكتاب بحق لَبِنَة في اتجاه العناية بالرموز الوطنية والإسلامية، وتسليط الأضواء على مسارات التحرر في هذا البلد، والتفكير في المناطق المعتمة من تاريخنا الوطني، وإعادة الاعتبار للمهمش والمقصي والمحاصر، وتصحيح الرؤية إزاء جزء أصيل من تاريخنا الذي بُذلت جهود كبيرة لتحريفه وتزييفه وإبراز الصنائع الشائهة والدمى التافهة عوض الأركان المكينة والأصول المتينة أفكارا ورجالا ونساءً وجهودا ومواقف وخطى وآثارا.

ولعل مما قاله الكتاب ضمنا وهو يشير ويلمّح، يمنع الالتزام المنهجي المرجعي والعقد المبرم مع المتلقي، قلت: ولعل مما أراد الكتاب أن يشير إليه، ولو من طرف خفي، أن سيرة الرجل، ليست مجرد سيرة حياة عابرة، انتهت بانتهاء عمر صاحبها، بل إن أبرز ما رامَهُ وحرص عليه رحمه الله، أن يخرج إلى الأمة أمثالا وأشباها ونظائر، لتستوي مدرسة تقتفي روح مسيرته، وتبدع لزمنها، وتتسلح بما تسلح به؛ الركون الكامل إلى المولى سبحانه، والثبات الراسخ على المبدأ، والاستعداد المتوثّب لبناء الجسور، وتمتين اللحمة، وصناعة الحرية.


[1] الفراك، أحمد، صناعة الحرية: في التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين”، منشورات مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين، مطبعة الناشر الأطلسي، 1442هـ، 2021م، ص: 17.
[2] المصدر نفسه، ص: 13.
[3] المصدر نفسه، ص: 12.
[4] المصدر نفسه، ص: 13.
[5] المصدر نفسه، ص: 17.
[6] المصدر نفسه، ص: 325.