“وبعد فتبعا للوثائق المشار إليها في المرجع أعلاه، والتي يستفاد من خلالها أنكم انقطعتم عن عملكم بتاريخ 17/01/2018، وذلك بسبب الاعتقال.
وعليه، وتطبيقا لمقتضيات الفصل 73 من الظهير الشريف رقم 008-58-1 الصادر في 4 شعبان 1377 الموافق (24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية فإنه تقرر توقيفكم مؤقتا عن العمل مع توقيف راتبكم الشهري باستثناء التعويضات العائلية ابتداء من 17 يناير 2018 إلى حين إدلائكم بنسخة مفصلة طبق الأصل لكل من الحكم القضائي الابتدائي والاستئنافي الصادرين في حقكم معززا بشهادة مسلمة من كتابة الضبط تفيد أن الحكم غير مطعون فيه وصار نهائيا قصد عرض ملفكم على أنظار المجلس التأديبي الجهوي المختص”.
بهذه العبارات وبهذا التعليل صدر قرار توقيف الأستاذ طلال سعيد عقيل، أستاذ التعليم الثانوي الإعدادي على ضوء متابعته من أجل “المساهمة في تنظيم مظاهرة غير مرخص لها”، المظاهرة التي تخللت الاحتجاجات الشعبية السلمية بتندرارة.
لن أقف في هذه الإطلالة السريعة على جميع ما شاب هذا القرار من عيوب وخروقات، وسأنفذ مباشرة إلى إثارة ملاحظتين ضروريتين لا تحتملان الانتظار.
· أولا، وكما جاء في تعليل القرار نفسه، فإن مبرر قرار التوقيف هو “الاعتقال” الذي يجد سنده القانوني في الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والذي تنص الفقرة الأولى منه على أنه: “إذا ارتكب أحد الموظفين هفوة خطيرة سواء كان الأمر يتعلق بإخلال في التزاماته المهنية أم بجنحة ماسة بالحق العام فإنه يوقف حالا من طرف السلطة التي لها حق التأديب”.
لكن، وكما يتضح من خلال قراءة سريعة لهذه الفقرة، فإنه ليس كل اعتقال يبرر التوقيف، لكن يجب أن يكون الاعتقال مرتبطا بجنحة ماسة بالحق العام.
ومعلوم أن حق التظاهر مكفول قانونيا ودستوريا، ولا يشكل في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون. وحتى إذا وقع التظاهر في غير الشكل المسموح به قانونا فإنه بالنظر إلى إرادة المتظاهرين وباعتباره شكلا من أشكال التعبير والاحتجاج الجماعي ضد وضع مادي أو سياسي أو حقوقي معين، فاإنه ليس جنحة ماسة بالحق العام “infraction de droit commun”.
ذلك أن أهم ما يميز هذه الأخيرة أي الجنح الماسة بالحق العام، هو طابعها الشخصي والاعتداء المباشر الذي يقع من خلالها على الأشخاص أو الأموال أو بشكل عام على المصالح الخاصة للأفراد، والتي ليس لها أهداف اعتبارية ولا تسعى إلى التأثير وشد الانتباه بهدف تغيير وضع ما.
إذا فالجنح المتابع من أجلها الأستاذ طلال سعيد عقيل لا تبرر أصلا اتخاذ مثل هذا القرار في حقه.
· ثانيا، وحتى إذا قفزنا على كل ما سبق توضيحه، وحتى إذا ما اعتبرنا أن الجنح المتابع بها الأستاذ طلال سعيد عقيل، تقع تحت طائلة الفصل 73 المذكور، فإن التوقيف في هذه الحالة لا يمكن أن يمتد إلى حين صدور “… حكم غير مطعون فيه…” و“… نهائي” كما جاء في قرار التوقيف.
فبالرجوع إلى الفصل 73 المذكور، والذي يشكل الأساس القانوني للقرار، نجده يميز بين حالتين:
* الحالة الأولى وهي القاعدة التي ينطلق منها كل قرار لتوقيف كل موظف ارتكب هفوة خطيرة سواء كان الأمر يتعلق بإخلال في التزاماته المهنية أم بجنحة ماسة بالحق العام، والتي أشارت إليها الفقرات الأربع الأولى من الفصل 73. يجب إذا في حالة التوقيف، استدعاء المجلس التأديبي في أقرب أجل ممكن كما يجب أن تسوى نهائيا حالة الموظف الموقف في أجل أربعة أشهر دون انتظار ما ستؤول إليه المسطرة القضائية الجارية في حقه، خاصة وأن هذه المسطرة قد تطول في بعض الأحيان وتمتد عبر السنين بدل الأيام والشهور.
* الحالة الثانية، وهي استثناء من هذه القاعدة، جاءت بها الفقرة الأخيرة من الفصل 73، جاء فيها: “غير أن الموظف إذا أجريت عليه متابعات جنائية، فإن حالته لا تسوى نهائيا إلا بعد أن يصير الحكم الصادر عليه من المحكمة التي رفعت لها القضية، نهائيا.”. ويلاحظ من خلال ما تضمنته هذه الفقرة الأخيرة، أن المتابعات الجنائية وحدها هي التي تبرر اتخاذ مثل هذا القرار، أي توقيف الموظف إلى حين انتهاء المسطرة القضائية الجارية في حقه. إذا فالفصل 73 ميز بين المسطرة المتبعة بالنسبة للإخلالات المهنية والجنح، وبين تلك التي تطبق على الموظف المتهم بارتكاب جناية. وحيث لا يتسع المجال هنا للتفصيل في الفرق بين الجنايات والجنح وطبيعة كل منهما وما يميز الواحدة عن الأخرى، نشير فقط إلى أنهما شيئان مختلفان ومنفصلان، لكل منهما وضعه الخاص ومسطرته التأديبية التي تميزه عن الآخر. وقد يكون هذا الأمر مستساغا بالنظر إلى أن بعض القضايا الجنائية تكون من الخطورة بما يحول دون استمرار الموظف في أداء مهامه العادية، على الأقل، إلى أن يقول القضاء كلمته الأخيرة.
يمكننا إذا أن نستخلص من هذه الملاحظة الثانية أنه لا يجوز توقيف الموظف المتابع من أجل جنحة (وليس جناية) إلى حين صدور قرار نهائي في حقه، لكن يجب، إذا ما اقتضت الضرورة إصدار قرار التوقيف في حقه، استدعاء المجلس التأديبي في أقرب أجل ممكن كما يجب أن تسوى نهائيا حالته في أجل أربعة أشهر .
أتمنى أن تجد هذه الكلمات صدى في آذان من يهمهم الأمر، وألا يقفز المسؤولون في هذا الملف على القانون، وأن يرجعوا عن خطئهم ما دام ذلك ممكنا وبيدهم، دون اللجوء إلى القضاء مرة أخرى، فالاعتراف بالخطإ فضيلة.