قصّتي مع “طوفان الأقصى”.. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

Cover Image for قصّتي مع “طوفان الأقصى”.. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
نشر بتاريخ

هناك أسرار أودعها الله سبحانه وتعالى في من أحب من خلقه، هم بشر كسائر البشر اختارهم الله تعالى من ثنايا خلقه ومنّ عليهم بمننه العظمى؛ منة الإيمان، ومنة العزيمة المتوقدة، ومنة الصبر على الجهاد واليقظة والأوبة… وكشف عنهم غمة الغفلات والحوبة، إنهم شعب فلسطين بنسائه ورجاله وشيوخه وأطفاله، ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

لقد عانى الشعب الفلسطيني الأعزل من وحشية الاستعمار الصهيوني الغاشم المدعوم من أمريكا الإمبريالية الطاغية منذ نكسة 1948 ميلادية، حينما سلمت فلسطين هدية لليهود تنفيذا لوعد بلفور، منذئذ والفلسطينيون تحت الظلم وتحت نيران القصف بالصواريخ والدبابات وتحت نيران المحرقة النازية التي يمارسها الصهاينة النازيون الجدد على الأبرياء. ما حدث في فلسطين من دمار وخراب خارج عن حدود القوانين البشرية وعن حدود القوانين الدولية، كيف لا وقد قال فيهم الله عز وجل: وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا صدق الله العظيم [الإسراء، 4].

استهان العرب والمسلمون بالخطر الصهيوني على فلسطين وناموا في سباتهم العميق لبلادتهم وخمولهم وتخلفهم، واكتفى أغلبهم بالتصفيق لبطولات أطفال ونساء فلسطين الصامدين في وجه المجازر الصهيونية والمعذبين في سجون الاحتلال، بينما كان الصهاينة يخططون لقيام دولة في فلسطين تتكفل أمريكا بأمنها وغذائها وتسليحها، ونجحوا بعد غزو العالم بإعلامهم الخلاعي المنحل وثقافتهم الماسونية، واستيلائهم على الذهب والإعلام، وتوسعوا في شراء الأراضي واحتالوا للسيطرة عليها لتوسيع الهجرة والفوز بالانتخابات المنظمة من السلطة الاستعمارية، كما استطاعوا بالنار والحديد وبالغزو إخضاع الشعوب وإذلالها وإبادتها، لأن حلمهم لم يكن حكم فلسطين فقط ولكن حكم العالم بأسره، لذلك نصبت نفائس التكنولوجيا الحربية على أرض فلسطين “أرض الميعاد”، وأصبحت أقمارها الصناعية وسيلة لتجسسها على أرض فلسطين وعلى بلاد العرب والمسلمين، وأطلقوا صواريخهم لمقاتلة شعب أعزل لا حول له ولا قوة، فكانت نكسة 1967 وما بعدها؛ قتل الفلسطينيون وشردوا وتم تهجيرهم إلى حدود سنة 1973 حيث كانت انتفاضة أطفال الحجارة.

الطوفان أو الاستسلام

بعد خمسة وسبعين سنة  من الاستعمار والاضطهاد والأسر والتعذيب والتنكيل، اختارت المقاومة في فلسطين بزعامة كتائب القسام الطوفان على الاستسلام، فأعدت له العدة وبنت ما يقارب من 570 كلم من الأنفاق وأعدت الرجال لحمل سلاح المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني، فكان طوفان 7 أكتوبر وقفة يشهد لها التاريخ، وكانت مقاومة واجبة استجابة لنداء الحق سبحانه ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ [المائدة، 23]، فكان الطوفان منعطفا تاريخيا أحدث زلزالا قويا في شعوب العالم التي انبهرت بشجاعة المقاومة وصمودها ودفاعها عن حقها في الحرية وتقرير المصير، حيث تضامنت العديد من شعوب العالم مع القضية الفلسطينية، وأصبح هناك وعي بالقضية، بعد أن فضحت مشاهد القتل والدمار والتجويع والانتهاك السافر لحقوق الإنسان أمريكا ممولة الصهاينة التي كانت تتبجح بالحقوق والحريات.

أصبح طوفان الأقصى حدثا عالميا، وأصبح ما يحدث في غزة وفي فلسطين له علاقة بالسلم والأمن العالمي، حيث أصبح الجميع بمن فيهم اليهود والأوروبيون والعرب يخشون على أنفسهم وعلى استقرارهم الأمني في بلدانهم. وكذلك كان لطوفان الأقصى أثر على المستوى الاقتصادي بالمقاطعة الجدية للمنتوجات الداعمة للصهاينة، ناهيك عن الوقفات التضامنية والمسيرات المليونية في كل أنحاء العالم. أما على المستوى الحقوقي والسياسي فقد تم التصويت لصالح القضية الفلسطينية رغم الفيتو الأمريكي الذي تنتهك به أمريكا ما شاءت من القرارات الأممية وغيرها. ورغم الدعم القوي للجيش الصهيوني ومده بالدبابات والآليات العسكرية الحديثة  وغيرها، ورغم كونه رابع جيش في العالم وأن جهازه الاستخباراتي (الموساد) يعد أقوى جهاز في العالم، إلا أن المقاومة داهمته وكبدته ما لم يخطر بباله من الهزائم والخسائر.

ومن نتائج طوفان الأقصى اعتراف عدد من الدول بالدولة الفلسطينية كإسبانيا وإيسطونيا وإيرلاندا، وتبحث مجموعة أخرى من الدول الأوروبية إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحقها في الحرية  وتقرير المصير.

أطفال الطوفان

مواقف الأطفال شعلة جهاد أوقدوها في نفوس أحرار العالم، وجرح طفولة دفنت في مهدها؛ طفل عمره ست سنوات يلقن أخاه الشهادة عند احتضاره تحت القصف الصهيوني، وطفل يذكرنا بجيل الصحابة، حيث يجري له الطبيب عملية جراحية في رجله بدون تخدير وهو يقرأ القرآن حتى لا يشعر بالألم، وطفلة في سن الفطام تخرج من تحت الركام تجري وتصيح يا الله يا الله ياالله، لم تناد يا أمي ولا يا أبي، كانت مناداتها لله من هول الصدمة ولهول ما استيقظت عليه، لم تجد إلا نفسها وقد فقدت كل أفراد عائلتها وتركتهم تحت الركام، صرخت يا الله وهي في سن الفطام محتسبة متبتلة… ما أعظم ما رأينا منكم يا أطفال غزة! وما أعظمكم من جيل فولاذي!  

إن أجل ما حققته المقاومة الفلسطينية بعد طوفان الأقصى هو صمودها وعدم استسلامها للكيان الصهيوني، رغم الخسائر والدمار والتطهير العرقي، ورغم التفاوت الصارخ في ميزان القوى بين فريق المقاومة والجيش الإسرائيلي المدعوم، كما أن قوتها ظهرت في التفاف الشعب بالمقاومة وإسقاط هدف تهجيره من طرف العدو. وإن الله لصادق وعده، وإنهم لمنتصرون بإذن الله.

و”شهادة الله سبحانه في اليهود حق ماض إلى يوم القيامة، يلاحظ الناس منهم الفساد والإفساد في كل زمان ومكان. ولا نسرد آراء الناس في اليهود وحكمهم عليهم انتقاما لعجزنا وهزائمنا الحالية، لكن نفعل ذلك لنتمكن في معرفة استمرارية بني إسرائيل في وظيفتهم الإفسادية، نستعد بالمعرفة والاطلاع ليوم يأتي فيه وعد الآخرة لنسوء وجوههم ولندخل المسجد المقدس إن شاء الله بعد قتال الأعداء وراء الحجر والشجر. وعد من الله ورسوله غير مخلوف” 1.

إن الله تعالى لناصرنا على اليهود مهما علوا وعتوا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله” رواه البخاري ومسلم.


[1] عبد السلام ياسين، سنة الله، ط 2005/2، مطبعة الخليج العربي-تطوان، ص 99.