بقلم: صلاح الدين المساوي
-1-
• القراءة بالنسبة لي بمنزلة الروح من الجسد. فلا معنى للنمو والتطور والإبداع والتواصل الجيد بدون قراءة. ولأجل ذلك كان أول ما أنزل من الوحي “إقرأ”، وهذا ليس من قبيل العبث، بل هو شرط اعتباري لمعرفة كنه الموجودات والغاية من خلق الإنسان.
• كما أنني أقرأ من أجل إمتاع العقل والشعور بالسعادة -التي لا يدركها إلا من ذاقها- حين أجلس في بستان المعارف والعلوم التي أصّلها أولوا العلم من بني الإنسان، لأقطف ثمارها وأتذوق طعمها، مع تحصيل الحد الأدنى منها لتكون نبراسا مضيئا في حياتي كلها، فالقراءة نور وترقٍ في مدارج الكمال المعرفي، والإعراض عنها ظلام وهبوط في دركات الوهم.
-2-
• ثم إن القراءة تمنح للقارئ عمرا موازيا وزمنا افتراضيا يمرّ عبره لزيارة قارات بشرية تشهد عقولا مختلفة وعادات مجتمعية وثقافات متنوعة في الماضي والحاضر والمستقبل. وهذا لا يتأتى إلا للقارئ النهم.
• وأجدني أحب القراءة وأعشقها؛ لأنها تمكنني من الانفتاح على كل كتاب فيه منفعة ذاتية (أولا)؛ لتحقيق لذة النفس وسعادة الروح، وتنوير العقل والفكر، ثم (ثانيا) للمساهمة في بناء مجتمع راق تحكمه أفكار سوية وطموحة، وتعيد للإنسان معنى حياته وغاية وجوده…
• كما أنها (القراءة) تعمل على تنمية ملكة العقل في الإنسان، وتُكسبه مناعة فكرية قادرة على تحليل الأفكار، ونقدها، وتطويرها إلى الأجمل والأروع. فكل قارئ يقرأ بعين فاحصة وعقل سديد يستطيع أن يملك زمام حق النقد والاختلاف الفكري في الحوار والمذاكرة، بينما الذي لا يقرأ لا تسمع له حسا ولا ركزا.
• إنه لا يخفى على كل قارئ متمرن ما للقراءة من دور عظيم في صياغة الوعي المجتمعي المتكامل، تجاه الحقوق والواجبات والانضباط للقوانين الكونية، وما لها من تأثير قوي في إرساء مفهوم الحرية كمبدأ أساسي لإدارة الاختلاف الفكري واستقلالية الإرادة.
-3-
• ثم إن اهتمامي بالقراءة وتعلقي بالكتاب يشعرني بتجديد دائم ومتواصل لفهم الأشياء وحقيقتها، وتسديد العقل وتنويره.
• فكلما غاص القارئ في أعماق المكتوبات ولامس باطنها، كلما تشكل له وعي خاص على مستوى الذات، وفهم تجديدي لقضايا العلم وإشكالاته وللعالم من حوله، واستطاع أن يجعل المستحيل ممكنا، والخيال واقعا. فكم من نظريات عبقرية كانت حالمة في التاريخ، أضحت نتائج ملموسة وحقيقية!
• وإنني لأجزم بأن القارئ النهم يعيش آلالاف السنين بانفتاحه على عوالم الفكر، والعلوم الكونية والشرعية، كما أن الكاتب الحر يُخلد اسمه في التاريخ ويُرفع له ذكره في الأنام.