معالم في السلوك إلى الله تعالى (1)

Cover Image for معالم في السلوك إلى الله تعالى (1)
نشر بتاريخ

إنه لا أساس يصح لبناء دين المرء إلا ما كان مؤصلا في كتاب الله عز وجل، منه البداية وإليه النهاية.

ذلك أن كتاب الله عز وجل يُؤَيِّهُ بالناس كافة وبالمؤمنين خاصة؛ يطلب إليهم الاستجابة للنداء الإلهي الخالد الذي يدعوهم للحياة المثلى، حياة السعادة الأبدية.

ما أعظمها منة منه عز وجل أن يهتم بهذا المخلوق الضعيف المتلجلج في شكوك هواه ورذائل طبعه وخسة همته، يحفزه ليتوجه من سفاسف دنياه الفانية ليطلب ما عند الله عز وجل في الآخرة، وذلك ليستيقظ من غفلة اللهو واللعب وزينة الحياة الدنيا، ومن موت الإخلاد إلى الأرض والسقوط في مهاوي بلادة الحس وسقوط الهمة، ليسمو به درجة درجة في معارج الارتقاء من المطلب الأدنى؛ مطلب الدنيا وزينتها، إلى الأفق الأعلى؛ أفق الطموح لما عند الله عز وجل في الآخرة من جزاء كريم ومن قرب إلى جنابه العظيم.

فهل ترنو عين قلبه بعد استيقاظ ليشمر عن ساعد الجد ليلبي النداء الإلهي الكريم في مثل قوله عز وجل: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (الأنفال، 24)؟

هل يسمو نظره إلى مطالب التزكية النفسية التي ترفع من خسيسة نفسه الراكدة اللاهية السافلة حتى يكون أهلا للمرتبة العالية؛ مرتبة من يناجي ربه مرات في اليوم والليلة يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، أم تستبد به مثبطات العادة تقعد به عن عبادة الله حق العبادة حتى يتمثل أنه يناجي ربا كريما يسمع ويجيب ويفرح بلقاء عبده؟

يا لها من منة ما أعظمها، ونعمة ما أكملها وما أكرمها!

يفيء المرء إلى ربه ويتوب وينيب فيدرك معنى وجوده في الصلاة، ومعنى قيمته عندما يفتتح صلاته بأم الكتاب مرات كل يوم يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فيجيبه الرب عز وجل: “حمدني عبدي”. أية عظمة هذه وأية درجة ارتفع إليها العبد المنيب أن يكون قسيما لله عز وجل في الصلاة؛ يقول العبد ويقول الرب عز وجل.

ويتلو المومن من كتاب ربه عز وجل ما يسدد خطاه نحو الذكر الدائم لمولاه سبحانه صلاة إثر صلاة، قياما بالليل نافلة يبتغي بها من الله الزلفى، وإقامة للفريضة في المسجد وسط صف المؤمنين يصبر معهم نفسه ويهذبها ويخلقها بمكارم التعاون على البر والتقوى والحلم والحياء والرفق والرحمة والتواضع.

يذكر ربه عز وجل في خلوات الليل وهو قائم بين يديه عز وجل، ويتزكى ويتطهر من رذائل الغفلة والغلظة والبخل والكذب والنفاق.

يتلو من آيات الله عز وجل في الكتاب العزيز ما يأخذ بيده ويتقدم به خطوة خطوة على أثر من نصبه الله عز وجل له إسوة حسنة، تتجسد في الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، المثل الأعلى الذي أثنى الله عليه في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ، كما تتمثل في النبيئين والمرسلين؛ نوح وإبراهيم والذين معه ممن أمر الله عز وجل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم في قوله تعالى: أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ.

إنها إذا أسوة، إنه إذا اقتداء وتشبه بالصالحين، إنه حنين إلى تلك الربوع السامقة؛ مقامات الذين أحبهم الله عز وجل وأكرمهم.

إنها قلوب المتزكين المتقربين إلى الله، الواقفين ببابه آناء الليل وأطراف النهار.

وبذلك يحيى قلب المومن الذي استجاب لله وللرسول ظاهرا وباطنا، يعز بالإسلام والإيمان وطلب الإحسان وتزكية النفس.