من سنن الله عز وجل أن الدعوة إليه مهما حوصرت وقمعت فإنها تتجدد دائما وتسري في الناس بصورة أقوى مما كانت عليه. كمثل البذرة تشق ظهر الأرض وتنطلق بقوة مذهلة ويمتد ساقها ويتطاول مقاوما الجاذبية ومقتحما كل العقبات المعوقة للحياة فيستوي على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار..
وجماعة العدل والإحسان مند نشأتها وهي في اقتحام دائم ودائب بل وتزداد صلابة وصلادة بعد كل اقتحام وقد تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب.. إنها حقيقة وواقع.. بل أصبحت تمثل رقما صعبا ومؤثرا في الخضم السياسي المغربي وإنكارها أو تجاهلها يدخل في إطار سياسة النعامة التي تغرس رأسها في الرمل خوفا وتوهما.. ومع كل هذا فجماعة العدل والإحسان محاصرة عكس ما تضمنه قوانين الحريات العامة من حرية الرأي والتعبير والتجمع..
فمنذ 24 ماي 2006 والجماعة تعرف حملة شرسة من طرف السلطات المغربية: اعتقالات بالجملة واختطافات واستنطاقات وتلفيق التهم وتزوير المحاضر ومحاكمات صورية وأحكام ظالمة واستفزازات وما إلى ذلك من أنواع الظلم ولكن رغم كل هذا وذاك، فإن لسان حال أبنائها يقول ماقاله سيد المجاهدين صلى الله عليه وسلم: “والله، يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه”
نظرات وحسرات
حينما نقف اليوم ملتفتين الى حصيلة الثلاث سنوات الفارطة تستوقفنا عدة خلاصات نجمل بعضها في النقط التالية:
1/ الحديث عن الحريات السياسية والتعددية الحزبية والمؤسسات الديمقراطية في بلادنا ماهو إلا “حديث إفك”. فالمخزن يحتكر التشريع والتنفيذ والمتابعة والتقويم ويفرض سلطته المطلقة” بمقامع” العنف والترهيب أو “بأكواب وأباريق” المساومة والدجل. يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، مخزن بلا لون ولا طعم ولا رائحة بل ويتخذ شكل الإناء الذي يوضع فيه.
فهل يا ترى يأتي يوم يصير فيه المخزن منطقيا مع شعاراته الرنانة ليرفع الحيف عن جماعة العدل والإحسان فيفسح لها المجال كي تتحرك وتؤطر أعضاءها كما يسمح لغيرها بدون قيد أو شرط أم أن “حليمة” لا تتنازل عن عاداتها و”عاهاتها”القديمة؟
2/ يدخل في نطاق الخراصين -أي الكذابين- من يدعي أننا نملك قضاءا نزيها مستقلا في خدمة العدالة وصيانة الحقوق وحماية الحريات وما ملف الطلبة المعتقلين الاثني عشر وملف الأستاذ عمر محب وكذا ملف السيدة ندية ياسين إلا غيظ من فيض هذه المؤسسة التي أصبحت كالعصف المأكول..
إن تبعية القضاء لجهاز المخزن يجعل المؤسسة القضائية تدور مع الظلم حيث دار, والمتتبع لسجلها التنفيذي في موضوع جماعة العدل والإحسان يدرك دورها الريادي إما في تزكية الظلم وتقوية عضد زبانيته أو في بعض الحالات، وقليل ما هي، في غض الطرف عن الظلم وتفضيل السكوت وفي القرآن من يكتم الحقيقة يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون.
3/ المشهد السياسي الرسمي مليء بالتبعية والعبثية!! نتأمل ونتألم، يوميا، ونحن نسمع جعجعة الحكومة والأحزاب والانتخابات ولا نرى طحينا .. حكومة لا تحكم وإنما تنفد مخططات لجان سامية تضطلع بالملفات الكبرى “الصحراء، التعليم، القضاء…” أحزاب، أغلبها، مشرذم ومهرول يفكر بمنطق المخزن ويسبح بحمده، برلمان كسيح تفوح منه رائحة الذلة والقلة والفوضى، انتخابات مهجورة يتنافس فيها الكل لاعتلاء ظهر مواطن لم يعد فيه مكان للركوب.. سياسات فاشلة، ومعاناة دائمة يكتوي بها المغاربة ليل نهار مما أفقدهم، أو أغلبيتهم، الثقة في النظام ووعوده وانتخاباته وبرلمانه وحكومته.. إلا أن هذا لا يبرر، مطلقا، موقف الفرجة الذي ينتهجه الكثير من الفاعلين السياسيين، وحتى بعض الحقوقيين، ناهيك عن العلماء إزاء هذا الحصار الذي تعرفه الجماعة ربما لحسابات سياسية ضيقة آنية لن تغني من الحق شيئا وربما ليس بيدها ولكن بيد عمرو؟؟. يقول تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون.
4/ إن هذه الحملة المخزنية التي تكتوي بلظاها جماعة العدل والإحسان منذ ثلاث سنوات ماهي إلا استمرار وتجديد وتنويع لسيرورة طويلة من القمع في تاريخ الجماعة منذ أن كانت. وكما فشلت سابقاتها فإن هذه الحملة المخزنية لم تنجح في الحد من تحركات الجماعة واكتساحها وحضورها الوازن في شتى المجالات رغم الإمكانيات التي سخرت لها من أموال الشعب. فمن رحم الحصار صدرت وثيقة جميعا من أجل الخلاص ومن رحم الحصار ختم الكثيرون حفظ القرآن الكريم والتحق سيدي العلوي السليماني بالرفيق الأعلى وقد شهد له أربعة، وأربعون، وأربعمائة وما شاء الله من المؤمنين …ومن رحم الحصار بزغ كتاب إمامة الأمة ومن رحم الحصار خرجت العدل والإحسان أكثر قوة وعددا وأوسع انتشارا وأكثر تماسكا وأشد صلابة وثباتا على مواقفها وتمسكا بمبادئها في زمن القبول بأدنى المراتب والرضي بأنصاف الحلول. إن الله يدافع عن الذين آمنوا
ما لنا ولهؤلاء
لا مندوحة من تكرار أن جماعة العدل والإحسان هي، في الجوهر والأساس، جماعة دعوة بوابتها التربية أولا التربية ثانيا التربية ثالثا ورابعا وخامسا وإلى آخره.
إنها دعوة قائمة في جوهرها على تجديد الدين الذي من مبادئه إخلاص العبودية لله تعالى والكفر بالطاغوت.
إنها دعوة تعلم الناس طاعة الله وأسبقيتها على طاعة العبيد، تعلمهم أسبقية رضى الله الذي إليه يرجعون على رضى العبيد الدين يهددون ويخوفون ويبطشون..
ولأن سنن الله لا تجامل أحدا فإن أبناء العدل والإحسان واعون أن سنة الله اقتضت أن تتعرض دعوته للتكذيب وحاملوها للأذى كما أنهم مطمئنون أن النصر يأتي في موعده لا تعجله براءة وطيبوبة وإخلاص الدعاة ودفء مجالس النصيحة ولا وقاحة وظلم وإجرام المستكبرين فلا مبدل لكلمات الله. قال تعالى وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَأِ المُرْسَلِينَ.
ولأنها تعيش مع منهج القرآن وتستنير بأحاديث خير الأنام صلى الله عليه وسلم، فالجماعة المباركة مطمئنة إلى أن مواقع أقدامها على رقعة الواقع تطابق مواقع قدر الله وتستجيب لنداء الله وتقتفي أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم من بيوت كانت تعج بالظالمين، ماتوا فصارت الديار بلاقع..
أخرج ابن ماجه وصححه ابن حبان عَنْ جَابِرٍ قَالَ: “لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ: “أَلاَ تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟!”. قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِنيِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “صَدَقَتْ صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ””.