ملف الصحراء في منظور بيان جماعة العدل والإحسان

Cover Image for ملف الصحراء في منظور بيان جماعة العدل والإحسان
نشر بتاريخ

ملف الصحراء في منظور بيان جماعة العدل والإحسان

اللاءات الثلاث: لا للتجزئة، لا للاستبداد، لا للابتزاز

تذكير لكل ذي لب:

 قال الإمام عبد السلام ياسين في “مذكرة إلى من يهمه الأمر”: “فقضية الصحراء ليست سوى إرث مسموم خلفه العهد الغابر، إرث خلفته سياسة التعاظم الدائسة على كرامة الرعية… امتصت رمال الصحراء ملايير الدولارات التي أنفقت في تشييد مدن حديثة جديدة، وازداد فقر المغرب، وتضاعفت ديونه. لم تفلح سياسة الفخفخة المستكبرة إلاّ في تعميق الهوة بين عضوين من جسد واحد، من شعب واحد. لا بد إذن أن نراجع انتماءنا الإسلامي الذي نصدح به نهارا ولا نخجل من طعنه ليلا. أما نحن، فقد ظل موقفنا من القضية واضحا، لا التواء فيه ولا لبس، وهو التشبث بوحدة الشعوب المسلمة عَبْرَ الحدود الغاشمة الموروثة من تاريخنا الاستعماري، قديمه وحديثه”.

لاءات ثلاث:

عدا ما ميز بيان جماعة العدل والإحسان حول قرار مجلس الأمن الذي يخص الصحراء، من تناول لبيب مليح، ووضوح فصيح، وموقف صريح، فإن قراءة فاحصة من وجهة تركيبية لبنية البيان تكشف عن عمق في إدراك مختلف تمفصلات ملف الصحراء في تاريخيته، وطرائق تدبيره، وفي مآلاته التي ترسم له. لكن الذي يهمني هنا هو التأكيد على رصد هذا العمق في البيان من خلال مفهوم اللاءات الثلاث التالية المتمثلة في: لا للتجزئة، لا للاستبداد، لا للابتزار.

لا للتجزئة؛ حيث ترفض العدل والإحسان منطق التجزيء والتفتيت والتفريق للبلاد، لأن ذلك يمس مصدر قوة البلاد المتمثلة في الوحدة والتماسك الاجتماعي. ولأن ذلك إنما يخدم مصالح أعداء الأمة، وقد يعيد المنطق الاستعماري القديم القائم على التفرقة بين الشعوب والتحريش بينها شبح الحرب التي لا تأتي إلا بالخراب، خاصة للمستضعفين.

لا للاستبداد؛ حيث ترفض العدل والإحسان المقاربة الانفرادية التي اعتمدها النظام الحاكم في تدبير الملف منذ بداياته، وترفض معها تغييب الشعب وعدم إشراكه في معضلة تمس وحدة أراضيه، كما تقف ضد الاستغلال السياسي لملف الصحراء في تأبيد الاستبداد السياسي والافتراس الاقتصادي، والقمع الحقوقي، والفشل التنموي.

لا للابتزاز؛ عبر الرفض البات لربط قضية الوحدة الترابية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم المحتل المطارد الساقط سياسيا وأخلاقيا، وكذا رفض رهن البلاد ومقدراتها وثرواتها ورأسمالها لصالح القوى الدولية الاستغلالية المفترسة، وأيضا رفض اللعب بمفاهيم الوطنية والوحدة الترابية لاستدامة التأزيم العام للبلاد في مختلف مناحيه، ولترسيم قمع الحريات والأصوات المعارضة التي لا تدخل حضرة التطبيل والإذعان لكل قرارات الدولة؛ إذ إن مما يتقنه المخزن منذ عقود أن يستغل القضايا والمعضلات المختلفة ليسكت صوت الحق تحت دعاوى الإجماع الوطني.

بهذه اللاءات الثلاث، وبعيدا عن البهرجة والتجييش المعهودين في نظام غير ديموقراطي كالنظام المغربي، وبعيدا عن كل ما يصاحب هذه البهرجة من التعمية المقصودة ليس فقط عن حقائق التاريخ البعيد، وعن حقائق الواقع على الأرض، بل أيضا عن الحقائق الواردة في قرار الأمم المتحدة وتفاصيله، تعيد العدل والإحسان طرح ملف الصحراء في إطار موضوعي عقلاني واقعي شمولي، وتعيد طرح الأسئلة المؤرقة الحقيقية التي يتم السكوت عنها والقفز عليها، وحتى عدم الجرأة على طرحها، من قبيل: من المسؤول الحقيقي عن ما وصلت إليه قضية الوحدة الترابية في شموليتها؟ أين هي محاسبة المدبر الفعلي للملف طوال تاريخه الطويل؟ ما هو الثمن الذي أداه الشعب المغربي سابقا في تدبير هذا الملف؟ وما الثمن الذي سيؤديه الآن بصدور هذا القرار بسبب تفاهمات غامضة لا يعلمها إلا محركو الملفات العالمية؟ وما الدهاليز الحقيقية التي سيدخلها الملف بعد إقرار الحكم الذاتي أرضية للتفاوض؟ وما الأعذار الجديدة (غير المبيحة للإفطار على أية حال) التي سيتخذها النظام الحاكم تكأة ليتخذ الحرية والعدالة والكرامة والتوزيع العادل للثروات، والتنمية الحقيقية رهائن عنده حتى نفك هذا المشكل الذي طال أمد حله بسبب ما كسبت أيدي مدبريه؟

من المقترحات المهمة التي وردت في البيان، والتي يمكن أن تكون معالم صلبة رصينة في التأسيس للتناول الجاد لملف الصحراء الذي يقطع مع منطق الأنانية الذاتية، والمصلحية الضيقة، والبهرجة التافهة، وتمرير المعطيات غير الدقيقة، ما يلي:

1. الوعي بالسياقات المحلية والإقليمية والدولية، وبإشكالاتها العملية، وتحدياتها الخارجية والوطنية، ورهانات كل الأطراف المتدخلة.

2. توفير البيئة الآمنة عبر تدشين مصالحة وطنية عامة تبدأ من إحداث انفراج كبير في الملفات الحقوقية والسياسية، قصد التمكن من التعبئة الوطنية الشاملة المتوجهة نحو المستقبل.

3. القطع مع منطق الاستبداد السياسي، والفساد الاقتصادي، وما يجرانه من استفراد بالملفات المهمة كلها، وما يحدثانه من تمييز في مجال العدالة التنموية. 

4. ضرورة توحيد جهود الغيورين على أرضية توافق وطني شامل يرفض مقايضة القضايا الوطنية بالتطبيع، ورهن مقدرات البلاد للاستغلال الخارجي.

عناوين مهمة للتأمل في البيان:

إن لمن العناوين البارزة الدالة، الجديرة بالتأمل في البيان:

–  لا سيادة وطنية بدون سيادة شعبية، ولا سيادة شعبية بدون ديموقراطية حقيقية.

– لا وحدة وطنية ترجى إن كان الثمن هو التنازل عن قضية الأمة المركزية (فلسطين)، أو التفريط في خيرات وثروات البلاد.

– لا وحدة داخلية حقيقية من دون مصالحة وطنية واسعة.