من أعلام علوم القرآن بمراكش 2/3 الإمام الحَرالِّي المراكشي (ت638هـ)

Cover Image for من أعلام علوم القرآن بمراكش 2/3
الإمام الحَرالِّي المراكشي (ت638هـ)
نشر بتاريخ

هُوَ العَلاَّمَةُ المُتفَنِّن أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ التُّجِيْبِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ. وَحرَالَّة: قرْيَةٌ مِنْ عَمل مُرْسِيةَ. وُلِدَ بِمَرَّاكُشَ) 1 ، وهو أحد رجالاتها ونبغائها قبل أن يجول فِي البِلاَدِ، فدخل الأندلس وأخذ عن ابن خروف وأبي الحسن ابن القطان، وحج فأخذ عن أبي عبد الله محمد بن عمر القرطبي (631هـ) إمام الحرم الشريف، قوانين فهم القرآن، حسبما نسب له ذلك بنفسه فقال: تعلمنا عليه الفاتحة في نحو من ستة أشهر، وكان يلقى في التفسير قوانين تتنزل في علم التفسير منزلة أصول الفقه من الأحكام، إلى أن منّ الله ببركات ومواهب لا تحصى، مما لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر على قلب بشر) 2 .

يعتبر الحرَالِّي المراكشي واحداً من الشخصيات التي لم تلق حظها في تأريخ العلوم، فقد كان مشاركاً في علوم متنوعة، منها المنطق والفلسفة والتعاليم، وعارفاً بالحديث والفقه، والأصلين (أصول الدين وأصول الفقه)، أما التفسير والتصوف فقد كتَب فيهما الكثير.

ويكفي لنعلم مدى شرف علم الإمام الحراني وعلو كعبه، كثرة نقول الإمامين البِقاعي والزركشي عنه، حتى قال الإمام البقاعي عنه: وانتفعت في هذا الكتاب – كثيرًا – بتفسير على وجه كلي، للإمام الرباني: أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسن التجيبي الحرالي المغربي، نزيل حماة من بلاد الشام، سماه: “مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل”، وكتاب: “العروة لهذا المفتاح”، يذكر فيه وجه إنزال الأحرف السبعة، وما تحصل به قراءتها، وكتاب: “التوشية والتوفية” في فصول تتعلق بذلك. وقد ذكرت أكثر هذا الكتاب في تضاعيف كتابي هذا معزوًا إليه في مواضيع تليق به، ثم بعد وصولي إلى سورة الأنفال ملكت جزءًا من تفسيره، فيه من أوله إلى “إن الله اصطفى” في آل عمران، فرأيته عديم النظير، وقد ذكرت فيه المناسبات، وقد ذكرت ما أعجبني فيها، وعزوته إليه، يسر الله الإطلاع على بقيته، بحوله وقوته..) 3 .

ومن مؤلفاته رحمه الله: أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وشرح الشّفا للقاضي عياض، وشرح موطأ مالك، وفي التفسير مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل)، لكنه لا يزال مفقوداً، سوى بعض نصوصه مضمَّنة في تفسير الإمام البقاعي نظم الدرر في تناسب الآيات والسور).

وقد أثارت آراء الحرالي في علوم القرآن جدلاً واسعا في عصره، قال الذهبي: عَمِلَ “تفْسِيراً” عَجِيباً ملأَه باحتمَالاَتٍ لاَ يَحْتَمِله الخطَابُ العربِيّ أَصْلاً، وَتَكلَّمَ فِي علمِ الحُرُوفِ وَالأَعدَادِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ مِنْهُ وَقتَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَوقتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَرَأَيْتُ عُلَمَاءَ يَحطُّونَ عَلَيْهِ -وَاللهُ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ- وَكَانَ يُضْرَبُ بِحِلمِهِ المَثَلُ) 4 ، وسلك في تفسير كتاب الله تعالى سبيل التحرير، وتكلم عليه لفظة لفظة وحرفا حرفا، حيث كان يورد الآي ويناسقها نسقا بديعا ويتكلم فيها بما لم يسبق إليه، وكان وقوع الكلام بينه وبين الشيخ عز الدين ابن عبد السلام، إمام الديار المصرية في زمانه، على التفسير، وطلب أن يقف على شيء منه، ولما وقف عليه قال أين قول مجاهد أين قول قتادة أين قول ابن عباس وأكثر القول في المعنى) 5 .

وتوفي في حماة (بسورية) 638هـ، حيث إنه لما قرب موته قال لأصحابه: “إذا كان يوم الثاني عشر من شعبان، نسافر عنكم فلما كانت ليلة الثاني عشر من شعبان، دعا خواص أصحابه وأمرهم أن يحضروا عنده وأن يوقدوا الشمع ويؤنسوه بقراءة القرآن، ففعلوا ذلك، وأمرهم أن يأتوه بماء زمزم ليشرب فأتوه فشرب؛ وكانوا معه ليلتهم، فلما أصبحوا أمرهم أن يأتوه بكفن على وفق السنة فأتوه به، فأمرهم أن يحفروا قبره في موضع اختاره، ثم قال لهم إذا أذن العصر أموت، ولقد شهد الحاضرون أنهم لم يروا لها جزعا بعد موته، فلما كان عند العصر سأل أصحابه: هل حان الوقت؟ فقالوا له هذا المؤذن يؤذن بالعصر، وحكى المؤذن، فلما كان آخر الأذان توفي رحمة الله عليه ورضوانه لديه) 6 .

رحم الله الإمام الحرالي المراكشي، ورفع ذكره، ونفع بعلمه أمة الإسلام.


[1] سير أعلام النبلاء، الذهبي ج 16 ص 333.\
[2] عنوان الدّراية فيمن عُرف من العلماء في المائة السَّابعة ببجايَة، أ بو العباس الغِبْرِيني ص 143.\
[3] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، البقاعي، مقدمة الكتاب.\
[4] سير أعلام النبلاء، الذهبي ج 16 ص 333.\
[5] عنوان الدّراية فيمن عُرف من العلماء في المائة السَّابعة ببجايَة، أبو العباس الغِبْرِيني ص 143.\
[6] عنوان الدّراية فيمن عُرف من العلماء في المائة السَّابعة ببجايَة، أبو العباس الغِبْرِيني ص 153.\