حينما قرأ أرييل شارون خطابه في مؤتمر هرتسلياكان في اعتباره أن الجدار الأمني الفاصل يشمل جزءاً رئيساً من مشروعه الخاص بعزل الدولة الفلسطينية قبل إتمام تشكيلها في نهاية العام 2005 حسب خريطة الطريق.
وكان نظام الأبارتايد قد انهار قبل النظام الإسرائيلي هذا نتيجة لما أصابه من عزلة دولية بعد أن أخذ المواطنون السود فيه يستعيدون حقوقهم تدريجياً إلى أن سقط النظام العنصري في جنوبي أفريقيا واندثرت معه سياسة المعازل والكانتونات.
ويبدو أن سياسة الفصل العنصري استمرت في فلسطين المحتلة على أيدي عنصريي القرن الحادي والعشرين. وهذا الاستمرار أنتج من سياسة الفصل العنصري أشكالاً هي أبشع ما عرفته تلك السياسة في جنوبي أفريقيا. وكان هذا الجدار أحد تلك الأشكال. حينما كان شارون في العام 1983 وزيراً للدفاع وقائداً للاستيطان في الضفة الغربية وضع خطة أسماها “خطة شارون لتهويد الضفة الغربية”. وعندما أصبح شارون وزيراً للإسكان في العام 1990 أنشأ مشروعا اسمه “النجوم السبع” هدف إلى إقامة مستعمرات في الضفة وعلى امتداد الخط الأخضر الذي يفصل الضفة عن فلسطين 1948. وهو الآن يحاول إنشاء مشروعه الثالث بتحويل الضفة إلى كانتونات ومنعزلات جغرافية مقطعة الأوصال يتعذر بل يستحيل معها قيام دولة للشعب الفلسطيني، بجدار سماه “جدار منع الإرهاب” احتيالاً وتزويراً لحقيقة الجدار والتفافاً على قرار محكمة العدل الدولية.
فالجدار يتوغل إلى عمق من 15 إلى 20 كلم داخل الضفة ويفصل أكثر من 26 ألف فلسطيني ومساحته 90 كلم مربعاً هي من أخصب الأراضي الزراعية متمثلة في 21 قرية فلسطينية. ولا يستطيع سكانها رعاية مزروعاتهم إلا بتصاريح عبر بوابات يفتحها الإسرائيليون ويقفلونها. وحينما تصادر هذه التصاريح -وهذا ما سيحدث- يحرم هؤلاء المزارعون من رعاية مزروعاتهم. ففي منطقة قلقيلية يوجد 33 بئراً تقع خلف الجدار الفاصل، ويعني هذا حرمان أهل المنطقة من المياه. أما القدس فقد أحيطت بـ15 مستعمرة يسكنها 180 ألف مستوطن. فإذا كانت “إسرائيل” تسيطر من الناحية الجغرافية على جميع القدس الشرقية فإن قرار اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون القدس قضت بأن لا يتعدى الوجود العربي في القدس الشرقية 22% وهكذا نجد أن العامل التوالدي قد جعل هذه النسبة حالياً 35%. فكان الجدار هو الحل الإسرائيلي للديمغرافيا العربية في القدس وغيرها من المناطق التي احتلتها “إسرائيل” في حرب 1967.
لقد كان عدد المستوطنين قبل عام 1992 -وهو عام الهجرة اليهودية الكثيفة من الاتحاد السوفييتي السابق- لا يتجاوز 5 آلاف مستوطن في الضفة الغربية، وإذا بهذا العدد يرتفع منذ العام 1992 إلى 236 ألفاً، فعمرت السلطات الإسرائيلية لهم 29 ألف وحدة سكنية جديدة إضافة إلى ما كان موجوداً قبل ذلك وهو 32 ألف وحدة سكنية. إن “إسرائيل” تسيطر على جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة بعد أن أعادت احتلال المدن والبلدات والقرى العربية في هاتين المنطقتين في حربها الإبادية ضد الشعب الفلسطيني.
إن النتائج الخطيرة المترتبة على هذه الحرب الإبادية تكمن في تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني ومصادرة حقوقه في التواصل والعيش في دولة فلسطينية مستقلة لها مقومات الدولة مثل الجيش والدفاع والعاصمة والشعب والأرض وغير ذلك مما هو معروف في إطار مقومات الدولة المستقلة ذات السيادة، وليس كما يسعى إليه الجدار الأمني لمنع الإرهاب -حسب تسميته الإسرائيلية- إذ يحول الدولة التي نصت عليها خريطة الطريق إلى معتقلات جماعية تتخذ شكل معازل.
إن مشروع شارون العازل يهدف -إلى جانب ما ذكرناه- إلى سد السبل أمام جهود السلام وإفساح المجال أمام توتير الأوضاع ودفعها باتجاه دورات من العنف والتفجر الدامي. وهذا ما يؤدي إلى نشوء وضع يهدد السلم والأمن الدوليين انطلاقاً من زعزعة الاستقرار في المنطقة وتهديده. فاهتزاز الاستقرار في الشرق الأوسط يضع السلم والأمن الدوليين في دائرة التهديد.
* باحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية – دمشق