يا عبيد! أذنبت فأكثرت، وعصيت فأسرفت، فهل ارعويت وندمت، أم اعتززت واستغشيت؟!
يا عبيد.. جئتنا تطلب الله ثم نكصت، فماذا وجدت حتى التفت وانصرفت، وكيف خمد ذلك الشوق وهمد ذلك التوق حتى توقفت وأحجمت، ثم اثاقلت وانتكست، فماذا تطلب غيرنا، أم أن الران غطى هاتيك الربوع، وملت مع المائلين إلى الدعة والخنوع..
يا عبيد! عهدي بك عن ساعد الجد مشمِّرا، ولِسِرْب الصادقين لازما متصبِّرا، فكيف دارت بك الدوائر فصرت في ذيل السباق لاهثا متذمّرا، مُخْلِداً إلى أرض الهوى جليسَ لوّامة متحسِّرا، ثم خائضا في الشُّبُهات مسْتسْهِلا متهوّرا، ثم رُفِعَتْ عنكَ الحُجُبُ الحافظات فصرتَ جاهرا طاغيا متجبرا…
يا عبيد! أما تدري أن رقبتك بيده، ورزقك طوع إرادته، فلو شاء القهر لتبدّد كيانُك بددا، ولو أراد بـ”كُنْ” لخضعت ساكنا متودِّدا، ولتدمّتْ مقلتاكَ خوفا وكمدا، ولتقطّعَ الوريد من جفائه فما تجد برهةً لتغفل عنه ولا سلوة دون طلبه…
فكأنّه يناديك:
“يا عبيد! حَلِمْنَا عنكَ فما فهمت ولا استحيَيْت، أمهلناك فما انتبهت ولا اكتفيْت، حذرناك فما انْزَجَرْتَ ولا ارْعَوَيْت، وأعطيناك فما شكرت، وقرّبناك فما تأدَّبت ولا استقمت…
يا عبيد، لو أردنا لَسَحِقْتَ من جَفْوَتِنا، واكتويتَ بنار بُعْدِنا، ولكنّنا بسطنا إليك أيدينا بالعفو فما اعترفتَ ولا اعتبرت، وتودّدنا إليك فما رأيناك إلا متخذا إلهكَ هواكَ، مغترّا بما وهبناك وأمهلناك، “فهل إلى رجوع من سبيل؟!”..
يا عبيد! تغفل عنّا فيك، فإنما هي زجرة واحدة، يا عبيد! لدمعة خالصة من ذرّة شوق أحبّ لك عندنا من كثرة القيل والقال…
يا عبيد! انظر إلى حالك! فإنما هي ساعة وتمضي الدنيا ويقوم الناس لرب العالمين..
يا عبيد! تمرّ على كلامي فتنثره نثر الدّقل، فما تعقل منه شيئا، وتقرأ فلا يتجاوز حنجرتك، وتجفو وتهجر، فما تعرف قدره ولا تذوق رحمته، وكيف يذوق لاهٍ ساهٍ لم تخالطْ حُشَاشَتَهُ نسمةُ اليقين ولا فزع من لسعة عشقٍ في حندس اللّيالي؟! بل كيف يخترقُ سجينُ هواهُ سُجُفَ كثافته وحُجُبَ أمّارته؟!
ما خيبنا حسن ظنك بنا، فكيف تجعلُهُ سُلَّماَ لمزيد معصيتنا، ما طردناك حين لجأتَ، ولا جفوناك حين صبوت، ولا أبْطأْنا عنك حين اضطررت واستنجدت، فماذا يرضيك عنّا لم نأت به، وماذا يوجبه علينا كَرَمُنا لم نجد به، عهدنا بك مناجيا داعيا، فما الذي شغلك عن وصالنا وأغناك عن بابنا، عهدنا بك متبئّسا منكسرا، فما الذي أغشاك حتى استغنيت وتمطّيت، ما غرك بربك الكريم؟!.
يا عبيد! نسيتَ فذكّرناك، وجهلت فعلّمناك وبصّرناك، وأخطأت فسامحناك، فإلامَ التّجافي عنّا مع تودُّدنا إليك، وإلامَ النُّكران ونحن في بحار فضلنا أغرقناك، ولو شئت لزدناك، فما أقساك وأنساك!
أتنسى مولاك، وترجو غيره؟! أتلهو عنا ببعض ما وهبناك، وتنشعل بما بلوناك، فما أشقاك ما أشقاك!
نريد لك العُلى، فتصرّ على السفاسف، ونختار لك ما هو خير وأبقى، فتنزل لدركات العجلة والعاجلة، وكان الإنسان عجولا.
يا عبيد! هذا أوان إيابِ كلِّ آبق، فانتهج درب النجاة، هذا إعذارٌ لكل مارق، فاسلك سبيل النجاة!”.