نرجع بحول اللّه إلى السياق المنهاجي. إننا في عصر نشيده الذي يصم الأسماع هو نشيد الحرية. فلا بد أن نقف لنتسائل عن نوع الحرية التي نطلبها لرقابنا المملوكة فُرادى وأمّة. حرية اليمين اللبرالي أم حرية اليسار؟ الحرية السياسية الرأسمالية أم الحرية الاقتصادية في ظل النظام الاشتراكي؟ التحرر ممن؟ التحرر من ماذا؟ التحرر إلى ماذا؟
إن الحرية التي تُرفع شعاراً مطلقاً كثيرا ما تخفي نيات الاستعباد. لا بد للمنهاج أن يحدد الشروط الإنسانية والمادية، الاجتماعية والاقتصادية، السياسية والتكنولوجية، التي تمكننا من التحرر، تمكننا من اكتساب حرية تتناسب مع النداء والاستجابة الإيمانية، تحقق أهداف الشرع في الدنيا عزةً للأمة كما تحقق غاية المؤمن في الآخرة: السعادة الأبدية عند اللّه عز وجل.
بعد أن ذكر اللّه عز وجل في سورة البلد الثلاثة الشروط التي يقتضي الوفاء بها اقتحام العقبة قال: {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}(البلد، 18) ففك الرقاب وإطعام الطعام، والكينونة مع المؤمنين أفعال مُرضية، أعمال صالحة تؤدي إلى الحشر
في أصحاب الميمنة. يعني هذا أن مجال الحرية ليس الدنيا الفانية وانتهى كل شيء. الحرية الفردية، والإنتاج والتوزيع الاقتصاديان، والتحزب السياسي مع المؤمنين، أفعال لا تُقصد لذاتها، ولا لهدف حضاري أرضي. إنما تكسب معناها وشرفها لما تؤدي إليه من مصير بعد الموت.