ألا يمكن تأسيسُ نظام صحافة لا يَطْعَنُ في الأعراض، ولا يُماري ولا يداري، ولا يُمَوِّه الحق؟ ألا يمكن إيجادُ إذاعة مرئية ومسموعة لا تبلد الحسَّ، ولا تمسخ الفكر، ولا تُضِلُّ النفس؟ ألا يمكن ضبطُ مواعيدِ الإذاعة، وصرفُ الناس عن مغناطيسيتها ليتفرغوا للعمل المنتج؟ فإنه لا بد للمؤمن من وقت ينصرف فيه إلى ربِّه، ومن وقت يقضي فيه حوائج أهله، ومن وقت لنفسه وزَوْرِه وكسبه. فإذا تدخلت مواعيدُ التلفزيون، وبرامجُ الكرة اختل النظام، وتكدرت الأوقات، وتشوش قَضاءُ الحقوق.
وكما يتعوَّد شارب المخدرات على سمومه حتى لا يجد منها فكاكا، وكما يتلوث الجسمُ بالجراثيم المرضية، فإن هذه المهيجاتِ الإعلامية لَوَّثَتْ العقولَ والنفوسَ، وتعاظمت سيطرتُها على العامة، فلا حديث لهم إلا تعليقا على أخبارٍ متلاحقة، وأفلامٍ متجددة، ومسلسلات مترابطة.
ولا رأي لهم إلا ما تطبعُه الصورةُ في الخيال، ويدقُّه الإيقاع كالمسمار في أحشاء السامع، وتُطَرِّقُه النغمة في الآذان. شيطان يوسوس، وتتخبط من مَسِّه الخلائقُ. أوقاتٌ لو استغرقها السعي على العيال لكان عبادةً، ولو استغرقها المُباح من أمر الدنيا لكان متاعا. فكيف وقد تمضى الساعات الطوال في السماع الحرام، والنظر الحرام، والفكر الشيطاني، وحديث النفس الخبيث! إذا رفَعَ الملكانِ صحيفة العبد اليوميَّة ممتلئةً بالغِناء والرقص، ومشاركةِ الشارب والعابث والزاني بالنظر والمرافقة، فأيةُ حصيلة تُجْمَعُ له ليوم معاده؟ ثم ما مصير هذه القلوب، التي ورَدَ في الحديث أن الذنْب يَنْكُتُ فيها نُكتة سوداءَ، وهي مُعَرَّضَةٌ لتلك المخازي يوميا آناءَ الليل وأطرافَ النهار؟ ماذا ينطبع فيها؟ أيُّ ظلام يدخُلُ عليها؟