هل تصلح الريادة المستأجرة.. الوضعية الثكلى للتعليم؟

Cover Image for هل تصلح الريادة المستأجرة.. الوضعية الثكلى للتعليم؟
نشر بتاريخ

يعتقد الكثيرون من المتنفذين في دهاليز الدولة عموما، وفي دواليب وزارة التربية الوطنية، ويسايرهم في ذلك طائفة من المستفيدين، وقوم من السذج الغافلين، أن حل الداء الوبيل الذي أصاب جسم المنظومة التعليمية المغربية يكمن في استيراد النماذج البيداغوجية الأجنبية، وتطبيقها في البيئة المغربية لإصلاح الكارثة البنيوية التي تنخر منظومتنا منذ انطلاق دوامات ما نعت بالإصلاح إلى الآن. ومن ذلك ما يروج له في سوق “السلع” التربوية، و”الموديلات والتقليعات والروتينات” المدرسية مع النخبة المغربة التي صاغت خريطة ضلت طريق الإصلاح، مما جمعه مسمى “الريادة” التي تروم تحقيق التحكم في التعلمات باعتماد منهجية توسلتها من الهند الخبرةُ التقنوية الغريبة عن التعليم الملحقة بديوان الوزير لدعم الإصلاح في زعم الذي زعم.

والحال أن على فرض “علمية” و”موضوعية” و”نجاعة” النموذج الدخيل المستورد المُتبَّل ببهارات التدريس الصريح الفصيح، وعلى فرض أن “النية” صالحة للإصلاح، و”التبيئة” في المحيط المغربي ملائمة، و”التنزيل” عقلاني منظم، و”الحكامة” قائمة مجدية، و”البنيات”مهيأة مناسبة، فإن التاريخ البعيد والقريب، وخلاصات البحوث المنجزة، وتوصيات التقارير الرسمية الوطنية والدولية، والنهج المعتمد لا في الإقرار والفرض، ولا في التنزيل والتطبيق، كلها عناصر تكشف منذ الآن رغم الوعود الخلابة البراقة، والتطبيل الرقيق الدقيق، أننا ذاهبون في نزهة سريالية أخرى من نزهات إهدار زمن الإصلاح، وتضييع الوقت في الاتجاه المعاكس لما عليه العقلاء.

إن القاعدة الشرعية الربانية تقول “إن الله لا يصلح عمل المفسدين”، والواقع السياسي يؤكد استمرارية وتسلط الاستبداد وقمع الحريات، والمضي في التطبيع مع قيم الإسفاف والصهينة، وهي عناصر تؤكد دائما غياب إرادة حقيقية لأي تغيير مجتمعي جوهري وجدي في المجتمع كله، فكيف في التعليم معقل صناعة الإنسان والحياة؟ ثم إن الاتكاء على الاستنجاد بأموال الخارج لن يجعل منظومتنا وهي أسيرة الاستبداد الداخلي إلا أسيرة الاستبداد الخارجي؛ فنفقد استقلالنا التربوي لأن الذي يطعمك إنما يُسَمِّنك ليذبحك، والواقع ينضح بالفساد المالي الذي يضيع مقدرات البلاد وقروض التمويل الدولي دون أدنى محاسبة، ولعل مصائب البرنامج الاستعجالي التي برئ أهلها من دم الهدر الفظيع للمال العام في التعليم إلا النموذج الساطع الفاضح. هذا إلى أن سياقات ومرجعيات اعتماد مختلف المشاريع المنزلة من ميثاق وطني، ورؤية استراتيجية، وقانون إطار، ونموذج تنموي، يضاف إليها زمن التنزيل، وأشكال التكوين، ومنهجيات الإقرار، وغياب البيئة التعليمية على مستوى البنيات والتهيئات والموارد والتأطير القانوني، والمسارعة المحمومة للتنفيذ، عوامل تنمي مظاهر الغموض التي تنذر باستمرار دخول المنظومة في دهاليز العبث والارتجال.

إن على المدبرين -إن أرادوا إصلاحا- أن يعوا -إن كانوا يفقهون- أن تغييب الانطلاق من رؤية وطنية ذات مرجعية مذهبية وفلسفة تربوية، يجعل كل نموذج مهما بلغت درجة صلاحيته مُنْبَتّاً عن هويتنا، مقطوعا عن واقعنا، بعيدا عن الاستجابة لحاجياتنا الحقيقية الآنية والمستقبلية، بينما لدينا من الخبرات الوطنية ذات الكفايات العالية ما يمَكِّنُنا من اسنتبات مشروع إصلاحي وطني ملائم لهويتنا وخصوصياتنا الحضارية. وإن على العقلاء أهل المروءة الفضلاء ممن تتحرق قلوبهم على مأساة التعليم، أن يسارعوا أكثر مما مضى للالتقاء على أرضية جبهة مجتمعية جماعية للممانعة المتصدية لعبث العابثين بمستقبل البلاد والعباد قبل ولات حين مناص.