كرامة الإنسان و حقوقه الإنسانية المشروعة من القيم التي ينبغي على كل إنسان سوي المحافظة عليها والمحاماة عنها بعيدا عن كل متاجرة أو توظيف سياسي بخس، فقد قررها الإسلام منذ أربعة عشر قرن أو تزيد، قال تعالى: ولقد كرمنا بني آدم، كرمه من حيث هو آدمي، بل إن أول آيات نزلت في القرآن الكريم اهتمت بالإنسان ورفعت من قدره، قال تعالى: اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلن في بلاغه الأخير للناس في حجة الوداع أن الدماء والأعراض والأموال مصونة لا يحل لأحد أن يعتدي عليها، فالناس سواسية، ولا فضل لأحد على غيره إلا بالتقوى، فلا يجوز لأحد إذن أن يهين هذا الإنسان أو يستعبده. مناسبة هذا الكلام هو ما دار من نقاش حول كرامة الإنسان السجين، وأوضاع السجون وعلاقتها بقيم حقوق الإنسان، وغيرها من المواضيع في الدورة التكوينية في مجال حقوق الإنسان التي نظمتها وزارة العدل ووزارة حقوق الإنسان بتعاون مع منظمة العفو الدولية بالمغرب لفائدة مد راء وأطر إدارة السجون و”إعادة الإدماج” أيام 18 و19 و20 يونيو الفائت بمدينة إفران، ولا يسع أي مواطن غيور على بلده إلا أن يطمئن في البداية لمثل هذه الندوات طالما أنها تحث على صون كرامة الإنسان وحقوقه، خاصة إذا علمنا أن العديد من العقليات لا زالت تنتمي إلى عقلية جلادي القرون الوسطى التي لا يهدأ لها بال إلا بإهانة وابتزاز وقمع من من المفروض أن يكونوا تحت حمايتها ورعايتها، مما يعني أن إصلاح العديد من الحراس و الأطر، وإعادة تكوينهم وتطبيعهم مع ما هو إنساني من أولى الأولويات، وخطوة ضرورية لأي إصلاح جاد منتظر، مع العمل بالقوانين الموجودة وبالأخص القواعد النموذجية لمعاملة السجناء لتأهيل الإنسان السجين، والدفع به لاستئناف حياة سلمية بناءة داخل مجتمعه.
غير أن مراجعة بسيطة لما ينشر حول السجون ويقال عنها يجعل المرء يستغرب عن هذه الهوة السحيقة بين الواقع المعاش والخطاب المروج له، ولا يهمني هنا حسن نوايا المسؤولين من عدمها، ولا أتهم أحدا، ولكن من حقي أن أتساءل وأنا أتأمل واقع سجوننا الكئيبة هل الوزارات المشرفة على تنظيم هذه الدورة ليست على علم بالواقع الخطير الذي تحول معه السجن إلى مقبرة جماعية للأحياء؟، فقد سبق للجهات المعنية أن اطلعت على المأساة الحقيقية التي تتخبط فيها السجون بعد “التحقيق” الذي فتح على إثر اندلاع تمردات، وإضرابات عن الطعام، وفواجع وكوارث كان من نتائجها مصرع العديد من السجناء حرقا وخنقا، منها محرقة سجن عكاشة بالدار البيضاء، ثم بعدها محرقة سجن الجديدة التي خلفت أزيد من خمسين ضحية، وتبين أن السجون محاضن للاندماج في عالم الإجرام، وتنطوي على العديد من الخروقات، وأنها تحولت في ظل العقلية السائدة المتسمة بتغليب المقاربة الأمنية العقيمة إلى إقطاعيات لتحقيق مصالحها الخاصة في غياب أية مراقبة أو محاسبة.
فقد استهل وزير العدل السيد محمد بوزوبع هذه الندوة بالحديث عن هدفها المتمثل في العمل على تكريس وإشاعة مبادئ حقوق الإنسان، وإلقاء الضوء على مفهوم العقوبة الحبسية الذي أضحى مفهوما إصلاحيا، وتحديد مسؤولية الحراس في تأهيل السجناء لإعادة إدماجهم في المجتمع، مع الحفاظ على كرامتهم وحقوقهم، وقد اعتبر السيد الوزير هذه المبادرة خير رد على من ما زال يتشكك في الاختيارات الديمقراطية التي يتبناها المغرب في أفق تأسيس دولة الحق والقانون. أما وزير حقوق الإنسان السيد محمد أوجار فقد اعتبر أن هذا اللقاء التأطيري فرصة مهمة للتعرض لموضوع التربية على حقوق السجين، وطرق وترسيخ ثقافتها، وتعزيز الوعي لدى المراقبين المربين داخل المؤسسات السجنية للنهوض بها، وأكد على نقطة مهمة حين اعتبر أن الحوار هو المدخل الضروري لنفي ثقافة العنف والتطرف من العلاقات الاجتماعية والسياسية. كما اعتبرت السيدة فاطمة الزهراء ياسين، التي مثلت منظمة العفو الدولية فرع المغرب، أن برنامج التربية على حقوق الإنسان يشكل حجر الزاوية لنشاط منظمة العفو الدولية في المغرب، واقترحت إنشاء آليات داخلية تعتبر تطبيق معايير حقوق الإنسان من العوامل الحاسمة في الترقيات والتعيينات، وغير ذلك من الكلام الذي ورد على لسان عدة متدخلين، وما تلا ذلك من نقاش واقتراحات.
وباعتباري معتقلا سياسيا يؤلمني ما يؤلم أمتنا المستضعفة، وككل الغيورين على بلدهم ، ارتأيت أن أساهم بتدخل من خارج الندوة كشاهد عيان على أوضاع تؤلم القلب وتدمي العين، فقد يفيد ذلك السادة ممثلي الوزارات المعنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه تماشيا مع ما أعلنوا عنه في الدورة التكوينية، وهي كذلك مناسبة للإخوة في منظمة العفو الدولية وكل المتتبعين والحقوقيين لمعرفة موطن الجرح، وليميزوا بين الشعار والواقع ، حتى يتسنى للجميع المساهمة في العمل على أنسنة ظروف الاعتقال، واسترداد السجون المغربية لوظيفتها المنوطة بها.
فكم هو جميل أن يتعاون الجميع لزرع ثقافة تحترم الإنسان، وترفع من شأنه، ولكن هل هناك حقا إرادة حقيقية للتغيير، ولبناء ما هو جميل؟، فعن أي سجين، وعن أية ثقافة حقوقية نتحدث؟، وهل وظيفة الحراس وظيفة تربوية، وتكمن حقا في إصلاح السجين، وتعمل على إدماجه في المجتمع مع ما يقتضيه ذلك من صون لكرامته وحقوقه؟، ألم تعد العقوبة السجنية مفهوما انتقاميا وأضحى معها السجين مجرد رقم لا قيمة له ولا وزن؟، فيكفي القارئ تذكر ما تنشره الصحف الوطنية من حين لآخر حول معاناة السجناء ليخلص إلى حقيقة مفادها أن السجون، ومفهوم العقوبة رديف بالحرمان والاعتداء والتعذيب والحرق والقتل، فسجوننا تفتقر إلى الحد الأدنى من الشروط الإنسانية، ولا تحترم فيها حقوق السجناء وفق القانون أو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والمواطن حين يزج به، لسبب أو لآخر، في هذا العالم المتوحش، الحاط من كرامة الإنسان، يجد نفسه في مجتمع له قوانين وضوابط وقيم اجتماعية لم تخطر على باله يوما، معرضا للقمع والازدراء ن ولكل أساليب الإهانة الممنهجة التي تنحط معها كل القيم الاعتبارية لدى الإنسان، وسيتأكد أن المعايير الدولية المفروض تجسيدها في أرض الواقع، وما يروج له في اللقاءات والندوات مجرد شعارات فارغة.
تأملت مجريات هذه الندوة وتأملت واقع السجن لأجد أن الشعار بعيد عن الواقع، فسجوننا كما نعيشها ونلاحظها تتخبط في مأساة إنسانية حقيقية أبطالها عقليات عتيقة تغلب الهاجس الأمني على الإصلاح ، وتتقن سوء التدبير والاعتداء، وضحاياه سجناء يعدون بالآلاف ذنبهم الوحيد أنهم ارتكبوا أخطاءا، عن قصد أو غير قصد، في حق مجتمعهم، وعوض أن نمد إليهم يد العون بتربيتهم وتهذيب سلوكهم تأبى الإدارة السجنية إلا أن تساهم في هدم أجسادهم وعقولهم على حد سواء، فلا عجب أن يموت السجناء بالعشرات بسبب الإهمال، وانعدام الخدمات الصحية اللهم تلك التي تزين بها التقارير المزيفة، ولا بأس أن تتعرض عائلات المعتقلين للتحرش والابتزاز وتصفية الحسابات، ومن المستحسن أن تباع المخدرات وتنشر في صفوف السجناء بشكل مهول دون رقيب ولا حسيب، فمن شأنها أن تهدئهم فيصبرون على المجاعة والأمراض التي تنخر أجسادهم، وهي قبل هذا وذاك مورد مالي مهم ما ينبغي التفريط فيه. أما تشكيل عصابات منظمة من سجناء وموظفين لترويج المخدرات وبيع أعراض وأجساد السجناء، وجمع الرشاوي والابتزاز فهو عرف تعود عليه ويستحيل التخلي عنه.
خروقات كثيرة يندى لها الجبين، ويستحيي المرء أمامها أن يتحدث عن حقوق الإنسان وثقافتها، فأين هو هذا السجين الإنسان حتى يتسنى لنا الحديث عن حقوقه؟.
وحتى لا أدع مجالا للتأويل أو التشكيك أذكر ببعض الوقائع المعاشة، والمتمثلة في موت العشرات من السجناء سنويا في صمت وهدوء دون أن يدق أحد ناقوس الخطر، فمتوسط الوفيات في السجن المركزي بالقنيطرة خلال السنة الحالية، إلى حدود شهر يوليوز 2003، هو وفاة سجين كل ثلاثة أسابيع ، وهو رقم فظيع ومخيف حقا، وينذر بالخطر، والأفظع منه أن يكون الإهمال هو سبب الوفاة. فالضعف الكبير للخدمات الطبية المنصوص عليها في المواد126 و127 و129 و130 و132 و135 و136 من قانون 23/98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، والأوضاع الصحية المتردية للسجناء دليل على الإهمال الذي يتعرضون له سواء تعلق الأمر بالنظافة المنعدمة “يقدم للسجين قطعة من صابون الكف -125 غرام- في كل نصف شهر لغسيله وتصبينه”، أو بالعناية الطبية ومداومة العلاج، أو باقتناء الأدوية الضرورية، فمصحة السجن لا تتوفر فيها نهائيا مواصفات المصحة ولا الشروط الضرورية للاستشفاء، فهي تتكون من مكاتب وقاعات منها قاعة مخصصة لمرض السل يكتظ فيها حوالي عشرون سجينا في حالة يرثى لها دون أي تفقد من طبيب السجن الذي لا يزورهم نهائيا، ولا يقدم لهم الفحوص الطبية اللازمة، أو الأدوية الضرورية في الوقت المناسب، بل يزدحم القادر منهم على المشي مع باقي المعتقلين المختلين عقليا في القاعة المخصصة لتوزيع الأدوية، ويتجولون رفقة زملائهم دون أية إجراءات وقائية تحول دون انتقال هذه الأمراض المعدية ، وقد توفي أحدهم “السيد بوفريوة محمد رقم: 25444” بسبب انعدام الرعاية الطبية يوم 03/05/15، كما أن العديد من السجناء قد يصابون بهذا الداء دون اكتشافه لعدم إخضاعهم للفحوص الطبية التي يجب أن تكون موسمية ، كما حدث للسجين يحياوي عبد اللطيف الذي كان يعاني من مرض الجهاز الهضمي فأحيل على المستشفى في حالة خطيرة وتوفي بها يوم 07/07/03 بعد اكتشاف إصابته بداء السل أما المصابون بالأمراض النفسية والعقلية، أي المستفيدون من الأدوية المهدئة، فهم حوالي خمسمائة سجين أصيبوا كلهم داخل السجن، حيث لا يحال المرضى على الطبيب النفسي الذي تقتصر وظيفته في وصف الأدوية المسكنة المعتادة التي أضحت أسماؤها معروفة لدى السجناء “نوزنان، هالدول، روكسيل، مودكات …”، إلا عندما تستفحل حالاتهم المرضية وتظهر عليهم أعراض فيزيولوجية عضوية، أو اضطراب شديد يتسم عادة بنشاط معاد للآخرين، وتحتضن المصحة السجنية خمسة وأربعين من هؤلاء، وكلهم يعيشون مكتظين في ثلاث غرف في حالة كارثية، حفاة شبه عراة، متسخين غارقين في عالم الهلوسات والهذاءات، ويعيشون في انعزال وصمت وذهول دائم، منتظرين الموت في كل لحظة، وقد توفي أحدهم “السجين فرقاش عبد الرزاق رقم: 23627” يوم 03/06/26 حيث كان يظل نائما طيلة اليوم بسبب الأدوية المسكنة إلى أن مات في سريره المتسخ في صمت مخيف دون أن ينتبه أحد إلى موته الذي لم يكتشف إلا بعد مرور يوم كامل، ولم يكد السجناء يستفيقون من صدمة وفاة أحد زملائهم حتى فوجئوا بعد يومين بسقوط ضحية أخرى “السيد ابن دكيك محمد رقم: 24985” يوم 28/06/03 ليعم اليأس القاتم والانهيار النفسي التام، ولينتظر كل واحد دوره.
أما باقي السجناء فهم يعيشون في اضطراب نفسي دائم، ولا يلتفت إلى حالتهم الصحية هاته، ودلالاتها، ما لم تظهر عليهم علامات الهلوسة والاضطراب الحاد، أجسادهم نحيلة بسبب سوء التغذية…، وتقرأ في قسمات وجوههم علامات اليأس والحزن العميق مع التشاؤم والنظرة السوداء للحياة، والشعور بانعدام القيمة واحتقار الذات.
فالوضع الصحي لأغلب السجناء سيئ للغاية، وهو أمر طبيعي إذا ما ربطناه بالإهمال السائد، وسوء التغذية وانتشار المجاعة والأوساخ، وكل أنواع المخدرات، الشيء الذي يجعل من السجن فضاءا خصبا لاستفحال العديد من الأمراض، وفي مقدمتها أمراض الجهاز الهضمي والروماتيزم والحساسية والسل والأمراض الجلدية. وتزداد هذه الأمراض حدة وخطورة، ويستحيل أحيانا تداركها بسبب الإحالة المتأخرة على الطبيب، وانعدام الدواء أو تأخر التوصل به، فقد توفي مثلا السيد يحياوي عبد اللطيف رقم: 23047 يوم 07/07/03 بسبب معاناته بالجهاز الهضمي وحرمانه من العملية الجراحية التي أحيل على إ جرائها منذ أكثر من سنة، وبنفس المرض والإهمال توفي كل من السيد أحسيسي عمر رقم: 22665 يوم 13/01/03، والسيد البوهالي أحمد رقم: 20394 يوم 03/04/03، والسيد ابن دكيك محمد يوم 28/06/03. ويغذي الانتشار الواسع لهذا المرض في صفوف السجناء عوامل كثيرة في طليعتها انعدام التغذية الصحية والتي هي عبارة عن كأس شاي وقطنيات في الغالب، أو الأرز وما يشابهه، ولحم رديء يعافه السجناء عادة، وكذا التعاطي الكبير لكل أنواع المخدرات التي تروج علانية.
ولم تمنع مأساوية شروط العيش هاته هؤلاء الضحايا من الاستغاثة بالجهات المسؤولة عبر مراسلتها دون جدوى، مما يدفعهم أحيانا بعد فشل محاولات إيصال صرخاتهم للمسؤولين وعدم التجاوب معها إلى الاحتجاج عن طريق قطع شرايينهم، أو خوض إضرابات عن الطعام تجابه بدورها باللامبالاة، خاصة وأن شكايات السجناء ترفق بتقارير من الإدارة المحلية تؤول أو تكذب ما يدعيه السجناء، أو يتعمد إتلافها مما يجعل شكا ويهم عديمة الجدوى، ومثال ذلك حالة السيد عفيفي جمال رقم: 21450، وهو سجين معاق، حوكم بالمؤبد وقضى منه أزيد من سبعة عشر عاما أصيب خلالها بأمراض كثيرة، منها الربو ومرض الرأس والأعصاب، فحرم من مواعيده الطبية خلال سنة 2002 دون مبرر مقبول، فكاتب المسؤولين مطالبا بحقه المشروع في التطبيب دون أن يلتفت أحد إلى آلامه ، فانتابه شعور بانعدام الجدوى وعدم القيمة واحتقاره للذات، فانطوى على نفسه وانعزل مدة ستة أشهر كاملة وحيدا في زنزانته دون أية مراقبة أوعناية طبية ، فاضطر بعدها للدخول في إضراب عن الطعام للمطالبة بزيارة الطبيب المختص في المستشفى العمومي، الذي دأب على زيارته لسنوات، فغادر على إثره السجن والدنيا معا يوم 02/04/03 دون أن يتحسر أحد على طريقة موته أو يتألم.
لقد كان من نتائج هذا الواقع الكارثي، والسياسة السجنية التي لا يهمها إلا ما هو أمني، سقوط العديد من الوفيات والضحايا وصل عددهم أربعة عشر سجينا سنة 2001، وأحد عشر سجينا سنة 2002، ليصل هذه السنة وفي ظرف أقل من سبعة أشهر فقط إلى أحد عشر ضحية.؟؟
هذا هو واقع السجون المغربية الذي يصرخ بالقساوة والآلام، فليتخلص القيمون على الإدارة السجنية من الهاجس الأمني الجاثم على عقولهم، وليبادروا إلى حل مشاكل المعتقل الإنسان، والاستجابة لمطالبه متى كانت مشروعة، فكفانا استهتارا بأرواح السجناء.
وإذا كان هؤلاء الضحايا قد غادروا الحياة حيث لا ينفع التعريف بالماضي إلا على وجه الاعتبار، فإن هناك سجناء آخرون في إهمال تام ووضعية مزرية ينتظرون الموت في كل لحظة، ولعل الإشارة إلى بعضهم على سبيل التمثيل “انظر اللائحة” قد يدفع المهتمين والمتتبعين إلى دق ناقوس الخطر، والتدخل العاجل لإيقاف النزيف ، وعساني أكون بهذا قد ساهمت في إنقاذ أرواح بريئة ذنبها الوحيد تواجدها في عالم بئيس خارج العصر، وخارج دولة الحق والقانون.
لائحة بأسماء سجناء مهملين ، وفي حالة صحية تنذر بالخطر
أما المعتقلون السياسيون فما يزالون مضربين عن الطعام منذ الحادي عشر من ماي من السنة الجارية، دون أي تجاوب من الإدارة السجنية، احتجاجا على حرمانهم من التواصل مع أقاربهم وأصدقائهم والاستفادة من الاستحمام وغيرها من حقوقهم المشروعة البسيطة التي استفادوا منها منذ أزيد من عشر سنوات، ومعظمهم يعاني من أمراض مزمنة بسبب إضرابهم عن الطعام المتكرر خلال السنوات الفارطة، والتعذيب الوحشي الذي ذاقوا مرارته في مخافر الشرطة، والظروف المزرية التي عاشوا فيها خلال بداية اعتقالهم.
أقتصر على هذه الأمثلة التي قد تفي بالغرض دون التطرق إلى آفات أخرى لا تقل عنها خطورة، سواء تعلق الأمر بتفشي ظواهر الإجرام والارتشاء والابتزاز والمعاملة السيئة، أو التلاعب بتموين السجناء، أو الشروط المادية والمعنوية الصعبة التي يشتغل فيها بعض الحراس دون أي تعويض أو تغطية اجتماعية، وبأجرة زهيدة لا تتعدى أحيانا ألف وأربعمائة درهم في الشهر ، فضلا عما يلاقيه بعضهم من تعسف وإحالة على مراكز الحراسة الليلية الصعبة في حالة امتناعهم عن تنفيذ تعليمات رؤسائهم المتمثلة عادة في استعمال العنف ضد السجناء وابتزازهم ، ويبقى الاكتساح المهول للمخدرات، بتواطؤ مكشوف مع الإدارة المحلية، وما ينتج عنه من إدمان وإحباط هو الصخرة التي تتكسر عليها كل محاولة إصلاحية جادة.
أفلم يكن جديرا بأن تتعرض الندوة للأسباب التي جعلت السجناء يموتون بالجملة؟، فوفاة سجين كل ثلاثة أسابيع بسبب الإهمال واللامبالاة جريمة ضد الإنسانية، ووصمة عار في جبين دولتنا التي ما فتئت تتبجح باحترام الإنسان وحقوقه كما هي متعارف عليها دوليا، ثم لماذا لم تناقش الندوة كيفية الحد من تجارة المخدرات التي تتم علانية تحت إشراف أو بعلم المسؤولين بما فيه بعض الأطر الذين عقدت لهم هذه الدورة التكوينية في حقوق الإنسان؟، وهل التأطير الثقافي وحده كاف لتفكيك العصابات المنظمة من حراس وسجناء والتي تعيث في السجن فسادا؟، ولماذا لم تناقش الندوة ظاهرة القفة وما تحمله من دلالات، وما تنطوي عليه من ابتزاز وتحرش واعتداء؟، وهل تغليب المقاربة الأمنية وإنشاء فرقة خاصة للتدخل السريع بزي عسكري تجوب الأحياء وترهب السجناء سيساهم في الإصلاح ؟
أسئلة كثيرة كان على الدورة التكوينية أن تتناولها وتجيب عنها لتقف على ماهية العقوبة السجنية، وواقع السجون المغربية كما هو معاش لا كما نتمنى، وتبحث عن مدى علاقته بقيم ومبادئ حقوق الإنسان.
فالسجين هو إنسان قبل كل شيء، وإيداعه السجن يستوجب على الدولة تمتيعه بحقوق تصون كرامته، وتحفظ جسده وعقله وفقا للقوانين المسطرة، وطبقا لتعاليم الإسلام، والمواثيق والعهود التي صادق عليها المغرب في هذا المجال وفي مقدمتها القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.
لائحة بأسماء الوفيات خلال السنة الحالية ما بين شهر يناير ويوليوز
بالإضافة إلى وفاة سجينين بمستشفى السويسي بالرباط بعد أن أحيلا عليها في حالة خطيرة.